في عهد فخامة الفراغ، لا بدَّ من التفتيش في الدفاتر العتيقة، حين كانت العهود مليئة بالرؤساء، بصرف النظر عن نسبة إنتاجية كلِّ عهد، ولكن في المحصِّلة فإنَّ كلَّ رئيسٍ ترك شيئاً يذكره فيه الناس سواء سلباً أو إيجاباً.
الرئيس بشارة الخوري ترك لنا الإستقلال، فغفر له الناس أخطاء أخيه السلطان سليم في خلال عهده، وحفظوا له أنَّ الإستقلال تم نيله أثناء توليه الرئاسة.
الرئيس كميل شمعون ترك لنا بلداً عاش عصره الذهبي، على رغم كلِّ المماحكات السياسية والمناحرات والدخول في الأَحلاف وما أدى إلى قلاقل واضطرابات سُمِّيَت ثورة.
الرئيس فؤاد شهاب ترك لنا دولة مازالت آثارها صامدة إلى اليوم، فكل ما هو موجود من مؤسسات حالياً أُسِّس وبُنِيَ في عهده، فكان من حقِّ الأب الحقيقي للإصلاح في لبنان أن يُذكَر بإنجازاته، لأنَّ من بعده لم يتحقَّق الإصلاح إلا جزئياً.
***
الرئيس شارل الحلو اختلط عهده بين أن يكون تتمة لِما قبله أو نهجاً جديداً، فتشتَّت وضاع بين الخياريْن.
الرئيس سليمان فرنجيه جاء من خلفية صلبة حيث وقف إلى جانبه الحلف الثلاثي.
الرئيس الياس سركيس هو أول رئيس إنتخب في الحرب، لكنه كان الرئيس الذي أجَّل الإنهيار قدْر المستطاع، وبعده انتُخب الرئيس بشير الجميل، لكنه لم يُقسم اليمين ولم يحكم.
الرئيس أمين الجميل انتُخب وإسرائيل في بيروت وعلى مدخل قصر بعبدا، لكنه غادر القصر من دون أن يستطيع تأمين خليفةٍ له، ومنذ ذلك الحين بدأت تتعمَّم ثقافة الفراغ في القصر.
الرئيس رينيه معوض، أقسم اليمين لكنه لم يحكم. فجاء بعده الرئيس الياس الهراوي الذي تعمَّمت في عهده ثقافة التمديد التي تبعه فيها الرئيس إميل لحود.
أما الرئيس ميشال سليمان فيكاد يكون الوحيد الذي لم يتسلَّم ولم يُسلِّم.
***
كل الرؤساء تركوا شيئاً يذكرهم فيه الناس، إما بالخير وإما بغيره، فالرئيس إميل لحود يذكره الناس بأوتوستراد المتن السريع ولو كانت الغاية من إنشائه أن يصل إلى بعبدات سريعاً. والرئيس الياس الهراوي حَلم بالأوتوستراد العربي، فانتهى حلمه بجزء من أوتوستراد سُمِّي بإسمه. الرئيس أمين الجميِّل وسَّع في طريق المتن الشمالي من انطلياس إلى بكفيا.
هذه الأوتوسترادات هي حاجةٌ للناس، ولهذا فإنَّ التسهيلات كانت تُعطى لرؤساء العهود ليُسجِّلوا إنجازات في أرصدتهم حتى ولو كان أوتوستراداً أو جزءاً من أوتوستراد.
الرئيس ميشال سليمان أعاد تسمية جادةٍ بإسمه، وهي كانت موجودة قبله بعقود، وسمَّى شارعاً في عمشيت بإسمه، كذلك كان هذا الشارع موجوداً قبله، ولكن حبَّذا لو أنه أوجدَ شيئاً ثالثاً يفيد منه الناس، لماذا لم يُقدم في عهده على إيجاد مخرج للأزمة المعضلة المتمثِّلة في إزدحام السير في اتجاه جونيه وصولاً إلى عمشيت؟
ألا يعاني الرئيس سليمان من هذا الإزدحام في تنقلاته بين اليرزة، حيث وفقه الله بمنزل على قد حاله وبين عمشيت؟
ام أنَّ مشكلته محلولة حيث تنقَّل ومازال بمروحية عسكرية، وهكذا لا عين ترى ولا قلب يوجع!
ولو أنَّه أقدم على إيجاد مخرج لتلك الأزمة المعضلة، لكان لا بأس من إطلاق إسمه على جسر ميشال سليمان البحري أو أوتوستراد ميشال سليمان، أما اقتصار الإنجازات على إعادة تسمية الأوتوستراد بين الحازمية والفياضية بإسمه، بدل ما كان يُسمى منذ بداية الحرب اللبنانية في ١٣ نيسان ١٩٧٥ بجادة الجيش اللبناني، فهذا ليس من الإنجازات بشيء.