Site icon IMLebanon

رهان أردوغان المعاكس لجاذبية النموذج التركي

الرئيس رجب طيب أردوغان يندفع في وضع نفسه فوق تركيا، وتعظيم دوره ولو أضعف الدور التركي. وليس قليلاً ما يغري المفاخر بكونه حفيد السلاجقة والعثمانيين بأن يجعل حكمه نسخة بثياب عصرية مما سمّاه كارل ماركس نمط الاستبداد الشرقي. ولا شيء يمنعه من الحديث عن تركيا جديدة يحبس فيها الصحافيين المعارضين والفنانين المتظاهرين دفاعاً عن حديقة غيزي ويعاقب القضاة الذين فتحوا ملفات الفساد. فهذا ما يسميه حكم القانون في الرد بغطرسة على الاتحاد الأوروبي الذي أدان الاعتقالات والتضييق على حرية الصحافة وما يخالف القيم الأوروبية. وأبسط ما يتجاهله هو التعبير الذي استخدمه خبير دستوري تركي في توصيف الفارق بين حكم القانون والحكم بالقانون.

ذلك ان أردوغان رمى السلّم الذي صعد عليه الى قمة السلطة، لكي يبقى وحيداً. لا فقط بالنسبة الى التخلص من شركائه بل أيضاً في مجال التخلّي عن القوة الناعمة التي صنعت جاذبية النموذج التركي. فهو دفع الى الظلّ رفيقه في تأسيس حزب العدالة والتنمية عبدالله غل. وشنّ حملة على شريكه في ترتيب السلطة وإضعاف نفوذ العسكر الداعية فتح الله غولن مطالباً أميركا بتسليمه وفاتحاً السجون لأنصاره. ولم يعد الاسم الأصلي لحزب العدالة والتنمية مطابقاً للواقع. فالنصف الأول منه، وهو العدالة، سقط بالتضييق على الحريات وسجن الصحافيين والتسلّط على القضاء. والنصف الثاني، وهو التنمية، يفقد الكثير من جاذبيته في غياب القضاء الديمقراطي.

وليس القصر الأسطوري ذو الألف غرفة الذي بناه أردوغان على أرض غابة كانت ملكاً شخصياً لأتاتورك من دون أن يرد على أحكام قضائية بوقف البناء سوى رمز لطموح الرجل الى دور السلطان. وهو طموح عززته بداية الربيع العربي حيث وصل الإخوان المسلمون الى الحكم في مصر وتونس، وراهن أردوغان على وصولهم الى السلطة في سوريا بعد سقوط النظام وفي ليبيا التي أسقطت القذافي وقتلته. فضلاً عن ان أردوغان الذي أعاد في خطاب له كل مشاكل المنطقة الى سايكس – بيكو، كما فعل أبو بكر البغدادي الذي أعلن انه دقّ المسمار الأخير في نعش سايكس – بيكو، أوحى ان الخلاف مع داعش ليس على الخلافة بل على من هو الخليفة.

ومع ان حلم أردوغان صار كابوساً بعد سقوط الإخوان في مصر، وتغلّب المجتمع المدني في تونس على حكم النهضة، وتبدّل الحسابات في حرب سوريا، فان الرجل أصرّ على سياسة الغضب وتكبير المشاكل مع الجميع. والسؤال هو: هل كان النموذج التركي الذي رمزه قدرة الاسلام السياسي المعتدل على السير في الحداثة والحكم الديمقراطي في دولة مدنية حقيقياً أضعفه سلوك أردوغان أم قصة دعائية صنعها الغرب؟