Site icon IMLebanon

انقلاب اردوغان على الانقلاب؟!

الى اي مدى يمكن  للزعيم التركي رجب طيب اردوغان ان يصل في ضرب الانقلابيين من خصومه، وهل  يمكن ان يتطور رد فعله الى احياء عملية الاعدامات، على رغم  رفضها  من جانب اوروبا قاطبة  كونها تتعارض مع نظرة الغرب الى الحكم الديموقراطي حتى وان كان المقصود القضاء على كل ما من شأنه  ضرب العسكر المعارض الذي ان لم يعرف كيفية اثبات معارضته لاردوغان،  فانه قد هز نظام الحكم بطريقة بوليسية احدث من خلالها خضة سياسية واسعة، يمكن القول عنها انها كانت جديرة بالنجاح لو اخذ الانقلابيون طريقة دموية – انتقامية  لم يلجأوا اليها لاسباب مجهولة؟!

المعروف عن الانقلابات العسكرية اتجاهها الدموي، اي تصفية الخصوم  وليس مجرد الاكتفاء بانتقادهم كما حصل في الانقلاب التركي، الذي حصل عرضا وكأن  المقصود منه مناشدة اردوغان الانسحاب لما فيه مصلحة الانقلابيين وهذا التوجه لا يشكل حالا افتراضية يفهم منها ان القصد كان ازاحة اردوغان وطاقم حكمه بأي وسيلة، فيما تبين ان الامور جرت بطريقة استعراضية لم يفهم منها ان الانقلاب كان يهدف الى الانتقام حيث  لم يقل احد ان العسكر قد قتلوا مطلق سياسي او مسؤول لازاحته هؤلاء مرة واحدة ونهائية؟!

ان اتهام اردوغان الاميركيين بالضلوع بالانقلاب كان مجرد محاولة  غير مؤكدة لان من سعى للقيام بالانقلاب كان مجرد فصيل من الجيش وقوى الامن، لاسيما ان القضاء على هؤلاء لم يستغرق طويلا، حيث لم يتحدث احد عن اعدامات الا عن حوادث  احتجاز، ما يدل صراحة على ان الانقلاب كان مجرد عملية – تجربة القصد منها افهام   اردوغان والنظام ان لا مجال لازاحتهم بطريقة كلاسيكية بحسب ما جرى على الارض، اضف الى ذلك ان الاميركيين لو قصدوا ازاحة الرجل لما كانوا تأخروا في اعتقاله او تصفيته جريا على عادة الانقلابيين؟!

فضلا عن كل ما تقدم فان الدعوات الى تصفية الانقلابيين لن تصل الى حد الترجمة، لان اردوغان غير قادر على تحمل تبعات دم العسكر مهما كانت المطالبة بتصفيتهم اضف الى ذلك ان الاميركيين يعرفون اردوغان اكثر من غيرهم، كما يعرفون انه لن يصل  في عدائه لهم الى حد القطيعة مهما قيل  عن عدم تسليم خصمه غولن لان الاخير وان كان يرغب في ازاحة صديقه وحليفه السابق، فانه كان يعرف ان الاطاحة به تحتاج الى وسائل اخرى غير تلك التي وظفت في الانقلاب الشكلي (…)

وطالما ان الامور لن تختلف بين وجهة نـظر الداخل والخارج الى نوعية الانقلاب، فان خصوم اردوغان ليسوا قلة،  ان بالنسبة الى الاكراد ومن يعتقدون انه زاد من حجم تصرفاته ضد اميركا في الشكل، على رغم نجاحه في اعادة العلاقة مع الروس في اعقاب القطيعة التي احدثتها عملية اسقاط الطائرة الروسية في السماء السورية بذريعة دخولها المجال الجوي التركي.

لذا، تبدو سياسة اردوغان غير واضحة بالنسبة لعلاقته مع اميركا، لكن ذلك لا يعني ان واشنطن تريد تصفية الرجل، حتى وان بلغت العلاقة معه حد الحاجة الى ابعاده عن الحكم،  مع العلم ان اميركا ستبقى بحاجة الى اردوغان ثان، نظرا  لاهمية العداء  الذي يجمعه في خانة رفض مد يده الى الرئيس السوري بشار الاسد، الذي على خصومة ظاهرة وواضحة معه، خصوصا ان الظروف السياسية لا تسمح للاميركيين بالرهان على نظام حكم تركي مغاير شكلا ومضمونا؟!

من هنا يفهم من كلام اردوغان على خلاف استراتيجي مع الاميركيين في غير محله، لان واشنطن في حال رغبت في ازاحته، لكان من الافضل تحضير بديل له من غير  حاجة الى انقلاب عسكري يقوي مكانة الرجل في مجتمعه الذي ينادي بالاعدامات مع انه يعرف استحالة القيام بتصفيات تتعارض مع رغبة تركيا في الانضمام الى المجموعة الاوروبية التي تنادي بحقوق الانسان عملا بالانظمة الديموقراطية التي يستحيل العمل بموجبها في حال حصول اعدامات سيكون من شأنها ابعاد تركيا عن اي عمل عدائي من شأنه المغامرة بمصير مشروع «أوربة تركيا» بما في ذلك ابعادها عن مشروع العودة الى النظام العثماني الذي يتطلع اليه بعض الاتراك؟!

من هنا يفهم الانقلاب على رجب طيب اردوغان انه لم يكن انقلابا بكل ما تعنيه الكلمة  من تخطيط وترجمة طالما انه لم تسقط نقطة دم واحدة في مجال ازاحة جماعة النظام، فيما هناك اتجاه لاحداث سيل من الدماء في حال كانت رغبة بتصفية الخصوم الذين لا يزالون على قناعة بان الخصومة السياسية لن تصل الى حد الاعدامات كي لا تتطور الامور بالاتجاه الذي يحيي صورة تشبه تركيا بما هو حاصل في سوريا من رغبة في التطور على حساب الشعب والنظام ومقومات البلد مهما اختلفت ظروف الخصوم السياسيين؟!