IMLebanon

الإمارات: إردوغان أخطر من إيران

 

 

تحت ذريعة مواجهة فيروس «كورونا» ومساعدة الشعب السوري في الصمود، أعلنت كل من دمشق وابو ظبي عن الاتصال الهاتفي الذي اجراه ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري بشار الاسد، وهو الاول من نوعه، والذي جرى الإعلان عنه رسمياً لمسؤول خليجي منذ اندلاع الأحداث في سوريا في العام 2011.

صحيح انّه كان سبق لدولة الامارات ان فتحت ابواب سفارتها في دمشق نهاية عام 2018 بعد حوالى 7 سنوات على إغلاقها، إلّا انّ الاندفاعة الإماراتية عادت وابطأت من زخمها نتيجة ضغوط اميركية، على اعتبار انّ الوقت لم يحن بعد للانفتاح على الرئيس الاسد، بانتظار استكمال التسويات السياسية. لكن هذه التسويات لم تنضج بعد، فما الذي دفع ولي عهد ابوظبي للقيام بخطوته هذه؟

 

الواضح انّ حرب إسقاط الرئيس الاسد واستبدال النظام انتهت منذ مدة بعيدة وتحديداً، منذ ان قرّرت روسيا الدخول عسكرياً الى الساحة السورية وعلى اساس تحالف كامل مع الرئيس الاسد.

 

ومنذ ذلك التاريخ أخذت التطورات العسكرية منحى مختلفاً وصولاً الى القضاء على اي وجود عسكري مناهض للأسد باستثناء ادلب. وهنا تكمن المشكلة بالنسبة للعديد من العواصم العربية وخصوصاً ابوظبي والرياض والقاهرة. فالمشروع الذي حمله الرئيس التركي اردوغان، والقاضي بتوسيع النفوذ التركي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ومتكئاً على تحالفه مع قطر وحركة “حماس” إضافة الى “الاخوان المسلمين”، يثير هلع العديد من الأنظمة العربية التي تعتبر نفسها مستهدفة، لا بل انّ استمراريتها مهدّدة بالخطر. ومن هنا، أضحت اولوية الصراع لهذه القوى الحدّ من تمدّد نفوذ اردوغان باتجاه الجسم العربي. هذا ما حصل ويحصل في ليبيا وهذا ما يحصل في سوريا انطلاقاً من ادلب. ذلك انّ تركيا، ومن خلال الفصائل والتنظيمات السورية المتحالفة معها، تسيطر حالياً على حوالى 3 آلاف كلم، بعد نجاح الجيش السوري، مدعوماً من الطائرات السورية، في تقليص المساحة التي كانت تشكّل زهاء 7 آلاف كلم2 بداية الصيف الماضي.

 

في إدلب تتواجد عناصر مسلحة تشير التقديرات الى انّ مجموعها حوالى 50 الف مسلح، ما قد يؤسس لاحقاً لأن تصبح ادلب في وضع يشبه وضع غزة، ولكن وفق مهام ووظيفة مختلفة.

 

الإنفتاح الاماراتي كان سبق وواكبه انفتاح مصري هادئ وصامت، تولّاه رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، الذي زار دمشق أخيراً بعد زيارة كان قد قام بها الى القاهرة اللواء علي مملوك. وكان الإعلام المصري يواكب معارك ادلب بتعاطف وتأييد “للحرب ضد الإرهاب المدعوم من المستعمر العثماني اردوغان”، كما ورد في وسائل اعلام مصرية. وتردّد انّ الرئيس الروسي بوتين ساهم في تقريب المسافة بين ابو ظبي ودمشق. فروسيا تريد لدمشق استعادة دورها العربي وتكوين واقع ضاغط يؤدي الى ضرب المجموعات المتطرفة الموجودة في ادلب والانتهاء منها. فيما الرئيس السوري يريد استكمال بسط نفوذ الدولة السورية على اوسع مساحة ممكنة من الاراضي السورية. اما تركيا فتريد، إضافة الى دور اكبر في الشرق الاوسط، الانتهاء من الميليشيات الكردية ووقف تدفق النازحين السوريين الى داخل تركيا. لكن وبخلاف بعض التحليلات التي ظهرت، فإنّ اوساطاً ديبلوماسية معنية تؤكّد أنّ خطوة ابو ظبي حصلت من دون تنسيق مُسبق مع السعودية، ذلك انّ الرياض، وان كانت تتقاطع مع ابو ظبي في موضوع مواجهة التمدّد التركي ومحاربته أينما وُجد، إلّا أنّ حرب النفط المفتوحة الآن بينها وبين موسكو، تضع امام خطوة الانفتاح على النظام السوري الحليف لموسكو بعض العوائق.

 

بالتأكيد هذا لن يؤثر أبداً على التحالف القائم بين الامارات والسعودية، فالمسألة تتعلق بالتكتيك لا بالجوهر. أضف الى ذلك، تساؤل الرياض حول مصير خلايا المجموعات المتطرفة بعد الانتهاء من ادلب. وهل سيسعى احد لاستقطابها او تسليمها او استخدامها؟ واذا انتهت ادلب، فهل سيشكّل ذلك انتصارات لروسيا ام لإيران؟ وهل ستستفيد ايران وتحقق نقاطاً لصالحها في اطار استراتيجيتها بترسيخ نفوذ طويل الامد لها في سوريا؟

 

الواضح انّ كيفية التعامل مع ايران تشكّل ايضاً نقطة تمايز ما بين السعودية والامارات. فالإمارات التي أنهت وجودها العسكري في اليمن وأنجزت انسحاباً كاملاً معلناً، أمرت بإرسال مساعدات طبية الى ايران للمساعدة في مواجهة وباء “كورونا”، استجابة لنداء وزير الخارجية الايرانية بأنّ بلاده بحاجة للمساعدة. يومها علّقت صحيفة “واشنطن بوست” بالقول، إنّ الأعداء يساعدون بعضهم لمواجهة “كورونا”. والامارات، التي تعتبر بأنّ الحرب النفطية القائمة بين السعودية وروسيا لا فائدة منها وستأتي بالضرر، تعتقد بضرورة تحييد ايران وأذرعتها، للتفرّغ لمواجهة التمدّد التركي الساعي الى قلب الأنظمة العربية.

 

لا بل انّ هنالك من يتوقع تسخيناً اميركياً ايرانياً قريباً، وهو ما يدفع لتحييد الخليج والبقاء بعيداً من اي تطورات دراماتيكية. فعدا المعلومات التي تتحدث عن نيّة ترامب بتحويل الانظار عن مآسي “الكورونا” في الداخل الاميركي والانهيارات التي تصيب الاقتصاد الاميركي، برفع مستوى المواجهة مع ايران في العراق، فقد سُجل انضمام حاملة الطائرات الاميركية الثانية “يو اس اس ايزنهاور” الى زميلتها “يو اس اس ترومان” في المنطقة للمرة الاولى منذ سنوات عدة، اضافة الى ارسال انظمة دفاع صاروخي جوي من نوع باتريوت. وهو ما يعني انّه جارٍ تحضير المسرح العراقي للتفجير.

 

من هذه الزاوية يمكن تفسير الإنكفاء الاماراتي في لبنان عن الانتفاضة الشعبية التي حصلت ولو بعد اسبوعين او ثلاثة على بدئها. وقيل إنّ الامارات آثرت عدم اثارة “حزب الله”. وحصل ذلك بالتزامن مع انسحابها من اليمن. ولأنّه جرى رصد حضور تركي – قطري ولو ضعيف في شمال لبنان، سعت ابو ظبي الى إعادة ترتيب واقع تيار “المستقبل” من خلال استقبال الرئيس سعد الحريري لبضعة ايام. والهدف بألّا تتآكل هذه الحالة السنّية المعتدلة لصالح السلفيين والمتطرفين.

 

وخلافاً لما قيل يومها، فإنّ هذا الدعم للحريري لم يكن لمواجهة “حزب الله”، بل لمنع انهيار الحالة السنّية المعتدلة وحلول آخرين مكانها. وجاء اجتياح “الكورونا” ليقلب الدنيا ويؤجّل زيارة الحريري الى السعودية للقاء الامير محمد بن سلمان.

 

وبالعودة الى الساحة السورية، فإنّ همساً يدور حول زيارة للرئيس الجزائري الى دمشق، تعمل على تعبيد الطريق امام عودة دمشق الى جامعة الدول العربية. وبالتالي يصح التساؤل ما اذا كان اتصال محمد بن زايد بالاسد هو بداية لمرحلة جديدة؟