لم يكن يوماً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لغزاً في ما يعلنه من مواقف أو يبطنه من أهداف. كانت نياته مكشوفة تماماً للقيادات البارزة في حزبه، ولكل من تحالف معه سابقاً مثل فتح الله غولن، أو من يتحالف معهم اليوم من أحزاب المعارضة، بعد زلزال المحاولة الانقلابية الفاشلة وارتداداتها العالية والمدوية التي نجح اردوغان بركوب موجاتها باحتراف تام وانتهازية مذهلة. كذلك كان مكشوفاً لحلفائه الأميركيين والأطلسيين الذين تعاملوا معه بحذر وأيضاً للأوروبيين الذين كان يتقرب اليهم ولكنهم استمروا على نقزتهم التاريخية، أولاً من تركيا كدولة ذات غالبية اسلامية طاغية، وثانياً من الحزب الاسلامي الحاكم بنهج اخواني صريح، وبكل ما تحمله ايديولوجيته من تسلط عقائدي يرفض الآخر، ويعمل على الغائه بالعنف والارهاب.
***
اليوم يكشف اردوغان قناعاً جديداً عن وجهه ويعلن صراحة أنه بصدد اعادة هيكلة الدولة برمتها، وليس فقط اعادة هيكلة الجيش، بذريعة الانقلاب الفاشل. ولم يكن خافياً أن هذه النية المبطنة كانت موجودة لدى اردوغان بوجود انقلاب فاشل أو بدونه، ومنذ كان ناشطاً سياسياً والى أن ارتقى قمة هرم السلطة برتبة رئيس جمهورية. وبعد نحو أسبوع واحد من المحاولة الفاشلة جاء في هذه الزاوية ٢٣/٧/٢٠١٦: ماذا قصد اردوغان بقوله إنه عازم على اعادة هيكلة الجيش؟ جواب: في قوله هذا جانب من الحقيقة… أما الحقيقة الكاملة ان اردوغان عمل على اعادة هيكلة النظام التركي بكل مكوناته ومؤسساته منذ كان ناشطاً سياسياً، وفي أثناء تدرجه في السلطة، والى حين وصوله اليوم الى قمتها. والمحاولة الفاشلة تتيح له – بحسب اعتقاده – الفرصة الذهبية للاسراع في اعادة هيكلة كل شيء في تركيا… في أي اتجاه؟ من الخطأ تسميته ب الاتجاه الاسلامي، والصواب وصفه ب الاتجاه الاخواني… ذلك ان الاسلام الحنيف شيء، والنهج الاخواني شيء آخر، والتنظيمات التكفيرية التي رضعت من حليب الاخوان شيء ثالث…
***
خاض اردوغان حرباً رابحة عندما كان يقاتل بسلاحين معاً: العقيدة والمصلحة في آن. العقيدة بتقديم الغذاء الفكري، والمصلحة بتقديم المساعدة والعون الماديين، ولكنه لم يتمكن من مواجهة المنافسة القوية من حليفه السابق وعدوه اللاحق فتح الله غولن الذي يبارزه بالسلاح نفسه، فتساوى معه بسلاح العقيدة ولكنه تفوق عليه بسلاح الخدمة ومؤسسته خدمة. واليوم يلجأ اردوغان الى حرب خاسرة باللجوء الى قطع الأعناق والأرزاق بالسيف والقلم… أي بالمشانق التي يرغب في تعليقها، وبقرارات التسريح المحق أو التعسفي في كل مجالات الحياة… وكل دكتاتور لجأ الى هذا النوع من السلاح، سقط في نهاية المطاف!