IMLebanon

أردوغان مدرسة الوعود الزائفة

 

< أعتقد أن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لم يحضر القمة الإسلامية- الأميركية التي عُقدت في الرياض في أيار (مايو) الماضي، أراد أن يثبت شيئاً ما لنفسه بدعوته إلى قمّة إسطنبول. أغلب الظن أنه سعى إلى اختبار شعبيته في الأوساط الرسمية الإسلامية، لا أكثر، لكنه فشل في تصويت الزعامات، إذ حضر 17 رئيساً من مجموع 53 دولة إسلامية وعربية.

وأنا أشاهد لقاء «السراب» الذي جمع «بعض» القادة هناك، تذكرت مقولة الإمام أبي حنيفة النعمان: «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه». هذا في ما يخصني، أما إسرائيل، فإن رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو لم يكتف بمد قدميه، لقد زاد على ذلك أن وبّخ أردوغان، الذي فعل كل شيء لإرضاء الكيان الغاصب، فبخلاف التطبيع، تضاعف حجم العلاقات التجارية بين البلدين الحميمين إلى ما يربو على 10 بلايين دولار! يبدو أن نتانياهو كان على قدر كبير من الثقة بهشاشة الجانب التركي ممثلاً بأردوغان، لذلك ضرب بالعلاقات الديبلوماسية بين بلديهما عرض الحائط، بعد أن طفح به الكيل من ممارسات الرئيس التركي «المايكروفونية»، ولقّنه درساً في الأخلاق، مذكراً إياه بسجون بلاده التي أتخمها فخامته بعشرات الآلاف من معتقلي الرأي، قبل أن يعرج على الممارسات التركية القمعية في حق المواطنين الأكراد، رافضاً أن يكون أردوغان بعد كل هذا، هو من يسدي إليه النصائح.
بالعودة إلى قمة إسطنبول، التي كان الرئيس الإيراني أحد أبطالها، فإن السؤال القديم يتجدد. ما وجه الشبه بين الفريقين، إسرائيل وإيران؟ وهل العداء لإسرائيل فقط لأنها تحتل دولة عربية؟ إن كان الجواب نعم، فإن إيران تحتل أربع دول! وإذا كانت معاداتها بسبب قتلها الفلسطينيين، أو تسبّبها في تشريدهم، فإن إيران فعلت في سورية ما لم يفعل الصهاينة منذ عام 1948 حتى يومنا هذا.
إن الدماء، التي سالت ولا تزال تسيل على التراب السوري والعراقي واليمني، أو حتى اللبناني، بآلة البغي الفارسية، لهي أولى باستنهاض همم الثأر والانتصار لها، لو كان المناهضون لإسرائيل على امتداد خريطة العالمين الإسلامي والعربي صادقين!
الإيرانيون يلاحقون السنّة أرضاً تلو أخرى، بجريرة عمر وسعد وابن الوليد، عشرات القرون التي مضت على كسر شوكتهم في القادسية، لم تكبح جماح استعلائهم العنصري، وعلى ما يبدو أن «هوى وافق هوى»، ولذلك بعض الهتافات العربية على وجه الخصوص، تتركز صوب السعوديين في شكل مقزز يتنافى مع المنطق، حتى أنهم لمّا لم يجدوا ما يجحدون به أفضال السعودية، إذا بهم يلفّقون تهمة العلاقة السرية بإسرائيل، وصفقة القرن، التي يعرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس جيداً أن من طرحها على طاولة النقاش معه كان محمد مرسي، الرئيس المصري المخلوع، تلك الصفقة كانت تمثل جواز العبور الإخواني لدى الغرب، لولا شعب مصر الأبي، والداعمين له بإخلاص من أشقائهم العرب، بقيادة السعودية والإمارات، الذين كانوا لها وللإخوان الإرهابيين العابثين باسم الإسلام بالمرصاد.
صفقة القرن الحقيقية، هي تلك التي تنازل بموجبها أردوغان عن خط حلب الأحمر. صفقة القرن هي تلك البلايين التي يجنيها أردوغان من علاقته في «بيته الثاني» طهران، التي وقّع معها على وقْع كيماوي خان شيخون، والغوطة، ودير الزور، وغيرها، عقوداً بلغت قيمتها 30 بليون دولار! صفقة القرن هي المتاجرة بعذابات اللاجئين السوريين، عندما جعلهم أردوغان ورقة يبتز الأوروبيين بها مقابل بلايين الدولارات. صفقة القرن أبرمها الرئيس التركي مع بوتين على حساب الأرض السورية، متخلّياً بذلك عن شعاراته البراقة التي استغل بها محنة السوريين المغلوبين على أمرهم! صفقات كان غيره بحاجة إلى قرون حتى يبلغها، حققها السيد الرئيس في بضع سنوات، بمعرفة شياطين في هيئة بشر، باعوا الأرض والعرض مقابل مصالحهم الضيقة، التي لا تلبث حتى تعود عليهم حسرات، لكنهم لا يتّعظون.
محاولات التشغيب التي يمارسها أردوغان و «إخوانه»، تعود بنا إلى أجواء الدوحة قبل مقاطعة الدول الأربع لها، فالمشاهد ذاتها يتم تكرارها اليوم على مسارح إسطنبول، ولسان حالها: «أشبعتهم شتماً، وفازوا بالإبل».