IMLebanon

أردوغان جدّد المطالبة بالمنطقة الآمنة… خطياً؟

لم يحقِّق رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أي إنجاز رئيسي ونهائي في سوريا التي تعيش حرباً أهلية – مذهبية – إرهابية منذ سنوات، والتي يؤمن هو أن نهايتها لا يمكن أن تبدأ قبل تنحّي الرئيس بشار الأسد. وعزا هذا الأمر إلى أسباب عدة أبرزها: عدم امتلاك أميركا باراك أوباما استراتيجيا لمعالجة الوضع السوري والأوضاع المشتعلة والأخرى الجاهزة للاشتعال في المنطقة، وامتلاك أعدائها ومنافسيها، وأبرزهم إيران وروسيا استراتيجيا واضحة من أهدافها الدفاع عن نظام الأسد ومساعدته للانتصار وحماية المصالح الروسية، ولمتابعة إيران تنفيذ مشروعها الإقليمي أو للحصول على مكاسب إذا استحال التنفيذ. وعزا الأمر نفسه أيضاً إلى تراخي أوروبا وعدم قدرتها على القيام بأدوار كبيرة إذا لم تكن أميركا معها، علماً أن جهات عدة تحمِّل أردوغان، مع اعترافها بالأسباب المذكورة أعلاه، مسؤولية تردِّي الوضع السوري بسبب عناده وانفعاليته وعدم استعداده للمساومة وامتلاكه حلم استعادة أمجاد “السلطنة”، وتجاهله نقاط الضعف الموجودة داخل بلاده والتي كان يفترض أن تدفعه إلى التعقُّل بعد خسارته الكثير من رصيده السوري والعربي والإسلامي جرّاء عدم وفائه بوعوده الكثيرة.

هذا الأمر أثار انزعاج الرئيس التركي فبادل عدم الاهتمام الأميركي على النحو الذي يرضيه “بعرقلات” معينة لخطواتها السورية والعراقية محاولاً أن يحصل جراءها على قبول إدارة أوباما فرض منطقة آمنة في سوريا (محظور الطيران فوقها). وقبل أشهر قليلة أو ربما أسابيع قال عارفون جدّيون في واشنطن إن اتفاقاً تمّ بين رئيسي الدولتين على إقامة هذه المنطقة، لكن تنفيذه توقّف لاعتبارات كثيرة قد يكون أبرزها اقتناع واشنطن بأن خطر الإرهاب في سوريا والعراق ومنهما على الخارج صار أكبر من خطر استمرار سيطرة الأسد على 25 في المئة من سوريا، وبأن مواجهته أكثر ضرورية الآن من بدء العمل على تسوية سياسية يرحل الأسد بعد إنجاز تطبيقها. وقد جاء الانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا أخيراً ليؤكد هذا الاقتناع. طبعاً لم يكن في إمكان أردوغان أن يفعل شيئاً. لكنه ليس “هيّناً” كما يقال، فقد شجّع بوسائل مختلفة لجوء آلاف من اللاجئين السوريين في بلاده إلى أوروبا عبر البرّ والبحر فأربكها كثيراً، لكنه لم يحصل منها على التزام جدّي وثابت بإنهاء الأسد.

ماذا سيفعل أردوغان الآن؟

العارفون في واشنطن يؤكدون أنه سيطرح مجدداً على الرئيس أوباما، في أثناء زيارته أميركا للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، اقتراح إقامة منطقة آمنة شمال سوريا يمكن إعادة اللاجئين الذين دخلوا أوروبا أخيراً إليها. ويشيرون إلى أنه منزعج من اقتراح أوروبا صرف مليار أورو أو أكثر لدول اللجوء السوري في المنطقة أي تركيا والأردن ولبنان لوقف “النزوح الثاني” للاجئين وربما لاستعادة بعض الذين صاروا في أوروبا. وسبب انزعاجه أن تركيا صرفت حتى الآن سبعة مليارات أورو (أو دولار) على اللاجئين على أرضها. ويقولون بشيء من الجزم إنه وجّه رسالة (خطية على الأرجح) باقتراحه المُجدَّد إلى الرئيس الأميركي وإلى رؤساء دول كبرى عدة بواسطة رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو.

هل يتجاوب أوباما وغيره من قادة الدول الكبرى مع اقتراحه؟

يبدو ذلك صعبة أولاً لأن “كارثة” اللجوء إلى أوروبا وقعت ولم يعد ممكناً التخلُّص من آثارها. وثانياً لأن الانخراط العسكري الروسي المباشر إلى جانب الأسد، وترسُّخ الاقتناع بأولوية محاربة الإرهاب ولا سيما “داعش” جعل اقتراح المنطقة الآمنة غير ذي جدوى. وثالثاً لأن هناك ضرورة لمراقبة ما سيحصل في سوريا الآن. أي هل سينخرط عسكر روسيا في خوض حرب الأسد على كل الأرض السورية؟ أو هل سيكتفي بحماية منطقته وشعبه مع دمشق بريفها أو من دونه؟ وهل سيتمكن من الاحتفاظ بدمشق أو هل سيُسمح له بذلك؟ وهل ستتوصل موسكو مع أميركا إلى اتفاق على خطة عسكرية موزّعة الأدوار فيها على دول عدة لمحاربة الإرهاب عسكرياً؟ أما رابعاً وأخيراً فإن التجاوب الأميركي مع اقتراح أردوغان لا بد من أن ينتظر انتهاء تنفيذ الخطة “باء” للأسد وحلفائه في سوريا، وهي تعرُّضها لتقسيم واقعي طويل المدى لا ينهي الحرب ولا يبقيها متأججة يومياً، ريثما يتم التوصُّل إلى تسوية سياسية تحفظ الوحدة الشكلية لسوريا، وتكرِّس تقسيمها الواقعي وتحمل اسم الفيديرالية.