كوباني فرصة لرجب طيب أردوغان للانتقام. في عين العرب الكردية ينتقم الرئيس التركي من واشنطن ومن حزب العمال الكردستاني، ممثلاً بالقيادة الكردية المحلية التي تسلمت السيطرة على كوباني من قوات النظام السوري، كما ينتقم من صديقه القديم الذي تحول إلى عدوّه خلال السنوات الثلاث الماضية، الرئيس بشار الأسد.
من كوباني يوجه أردوغان رسالة إلى الرئيس باراك أوباما مفادها: ما هكذا تخاض الحروب ولا هكذا توضع الاستراتيجيات. القصف الجوي وحده لن يحلّ مشكلتكم مع «داعش». كلام لا يقوله أردوغان فقط، بل ردده القادة العسكريون الأميركيون الذين شككوا في فعالية هذه الغارات، ما يستدعي السؤال: من يقود هذا التحالف؟ ومن يعطي الأوامر طالما أن القادة أنفسهم ليسوا مقتنعين بالنتائج، أي بهزيمة «داعش»، حتى أن بعضهم يتوقع ثلاثين عاماً قبل تحقيق هذا الانتصار الموعود؟!
يشترط أردوغان للتجاوب مع الرغبة الدولية في اقتحام الحدود ومواجهة «داعش»، أن يكون هدف هذه المعركة واضحاً، أي سقوط نظام بشار الأسد. ويشكك الرئيس التركي في أن يكون هناك إجماع غربي (باستثناء فرنسا) على هذا الهدف. لهذا السبب هناك خلاف بين أنقرة وواشنطن حول أولويات المعركة. الأولى ترى أن الأولوية يجب أن تكون إسقاط الأسد. وقد عبر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن ذلك صراحة في حديث إلى «سي أن أن» بالقول: لا تمكن محاربة تنظيم إرهابي بالتعاون مع إرهابي آخر. في المقابل، ترى واشنطن أن معركتها حالياً هي مع «داعش»، وتتجاهل أن هزيمة هذا التنظيم من دون خطة واضحة لما بعد «داعش» ستنتهي انتصاراً في يد إيران و «حزب الله» والحوثيين ومن لفّ لفهم، الذين يتقدمون على كل الجبهات فيما العالم منشغل عنهم بقتال «داعش».
يطالب أردوغان للمشاركة في التحالف، بقيام منطقة عازلة في شمال سورية تكون محظورة على سلاح الجو السوري وعلى قواته الأرضية، وتصبح في الوقت ذاته منطقة آمنة يعود إليها اللاجئون الذين هربوا إلى تركيا من القتال في المناطق الكردية وغيرها. وهو يعرف ان قيام منطقة كهذه سيشكل ضربة كبيرة لنظام الأسد، لأنها تكرس دولياً خسارته السيادة على قسم من أرضه، ويمكن أن تفتح المجال لمناطق حدودية مماثلة في الجنوب، وربما كذلك على الحدود الغربية مع لبنان، كما أن منطقة كهذه تعيد إلى الذاكرة قصة سقوط نظام صدام حسين التي بدأت بعزله في الوسط بعد فرض مناطق حظر طيران في المناطق الكردية شمال العراق والشيعية جنوبه.
أردوغان ينتقم في كوباني أيضاً من حزب العمال الكردستاني الذي فضل الوقوف في هذه البلدة إلى جانب الأسد نتيجة التحالف الذي سمح لصالح مسلّم زعيم «الاتحاد الديموقراطي» الكردي (حليف العمال الكردستاني) بإقامة حكم ذاتي في ظل غض نظر من دمشق، كان ثمنه قتال جماعة مسلّم مقاتلي المعارضة في تلك المنطقة، بمن فيهم مقاتلي «الجيش الحر». لا يرى أردوغان بناء على ذلك أي ضير في هزيمة هذه الجماعة الكردية ولو على يد «داعش»، طالما أن هذه الهزيمة تطمئن تركيا إلى القضاء على أي حلم كردي بقيام حكم ذاتي في مناطقهم المحاذية للحدود السورية. وعلى طريقة أردوغان في إطلاق التصريحات النارية لم يتردد في تشبيه حزب العمال الكردستاني بـ «داعش»، ما أطلق حملة كردية عليه عبّرت عن نفسها من خلال الاشتباكات الدامية التي وقعت في شوارع ديار بكر واسطنبول، والتي تهدد بالقضاء على التسوية التاريخية التي تحققت بين الجانبين قبل أكثر من عشر سنوات.
يعرف أردوغان أن ثمن موقفه المتحفظ على التدخل في كوباني سيكون انتقادات دولية واسعة تتهمه بتسهيل تقدم «داعش»، وربما بالتغطية على جرائم هذا التنظيم الإرهابي. لكن أردوغان يعتبر أيضاً أنه ليس مضطراً لخوض حرب الآخرين الذين يدفعونه إلى الغرق في الوحل السوري فيما هم يصوّرون الغريق من الجو.