Site icon IMLebanon

أردوغان لبوتين: أنا هنا

الرجل المريض لا شفاء له ولا نهاية أيضاً. سوريا حقل رمايات، من قريب ومن بعيد، لدول وأنظمة ومحاور وأحلاف وجيوش وعصابات و «داعش» و «نصرة»… وحثالات القتل والفتك.

بعد أربع سنوات ونيّف، بدأت حرب جديدة بقيادة روسية، تفرّعت عنها مواجهة جوية، بين «القيصر» و «السلطان». سقطت فيها طائرة، غدراً، وضعت العالم أمام السؤال: ماذا بعد؟

الرجل المريض بات برعاية قادة دوليين ورؤساء وملوك إقليميين وجنرالات جيوش ومسؤولي تنظيمات مسلحة، ساهموا في تسعير جبهات وافتتاح ميادين وتدشين معارك بلا نهاية. بعد «جنيف 1» ازداد مرضها. استعرت الحرب وتعمَّم القتل والارتكاب. بعد «جنيف 2» تفاقم العنف واستضافت الميادين دولاً إقليمية كشفت عن وجهها وأسلحتها، وباتت تخوض المعارك بلا قفازات: قطر بادرت، السعودية انخرطت، تركيا «تدفقت» مقاتلين، وأميركا أنشأت قواعد تدريب وغرف عمليات وتنسيق… ومؤخراً، بعد «فيينا»، حدث أن وظف الغرب هلعه من الإرهاب، فأقدم على تنسيق، فجمع إلى بوتين، كلاً من هولاند وأوباما. فيما ظلت السعودية على عنادها، وقطر على مكرها، وتركيا تعضّ بالنواجذ على مصالحها وعلى ما راهنت عليه في سوريا بعد الأسد. «فما هو لها، لها وحدها».

فشل الجميع في الحسم. الحرب استولدت حروباً، ورحم الحرب في سوريا لا ينضب. في المقابل، لم يكتب لأيّ مسعى سياسي دولي أو إقليمي أو محلي أن ينتج فرصة لوقف إطلاق نار لساعات أو أيام، أو يفتح طريقاً أو ممراً للمساعدات الإنسانية، لشعب يتضوّر بعضه جوعاً ويموت مرضاً… الرجل المريض يجدد عوارض مرضه ويبتدع اشتراكات تؤهله الاستمرار في العنف… لقد نضجت التفاحة، ولكن سقوطها بحاجة إلى مَن تقع بين يديه أو أياديهم.

حلفاء النظام لم يفلحوا في تثبيت دعائم السلطة عسكرياً. الخسائر مذهلة. حلفاء القوى المعارضة، لم ينجحوا في انتزاع تراجع سياسي وفشلت في فتح ثغرة في بنية النظام، الذي ظل ممسكاً بمفاصل الدولة الأمنية، وبدا وكأنه، برغم تراجعه، في البدايات… وعندما أوشك النظام على فقدان السيطرة واستشعر خطر الهاوية استغاث «بالأخ الأكبر» في روسيا. الشقيق الحليف، لم يعد كافياً. إيران قامت بالواجب، «حزب الله» كذلك، لكن كل ذلك ليس كافياً، فلا بد من بوتين. حضر القيصر، وسبقته آلته العسكرية القتالية، حطت الطائرات في القاعدة العسكرية، بدأت القصف. تدفقت الأسلحة والذخيرة على قوات النظام المدعّم ميدانياً، بما تبقى من قواته إلى جانب القوى البرية الحليفة.

عوَّل النظام على الحسم الروسي وعلى قلب المعادلة الميدانية. القوى المعادية للنظام، لم يُخِفْها التدخل الروسي. استعادت «روحها القتالية» وأسرعت في تسليح «المعارضات» بأسلحة متطورة، ومنها الصواريخ المضادة للطائرات، لكسر التوازن، أو لإقامة توازن ميداني يفرض على الروس البحث عن مخرج سياسي لا يكون بشار الأسد بوابته، هي تخوض معركة إخراج الأسد، بأي ثمن. والروس، وقبلهم الإيرانيون والحلفاء، يخوضون معركة بقاء الأسد بأي ثمن. وبين هذين الثمنين، تصبح الحرب مستقبل سوريا كل يوم، إلى يوم النهاية البعيد.

إيران قامت بالواجب وأكثر لدعم النظام، وكذلك فعل «حزب الله» و «الحشود الشعبية» القادمة بالولاء الديني والمذهبي، دفاعاً عن «المقامات» الدينية والسياسية في سوريا.

كان المشهد بعد «فيينا» قد رسا على معسكرين مستعدين لقتال «داعش» ولإيجاد حل سياسي في سوريا. القتال حاصل. الحل السياسي ليس في المتناول. دونه معارك ودماء وتحالفات. والقتال الحاصل، لا تتوجّه فيه البنادق لقتال «داعش»، فحقل الرمايات في سوريا مشتبك. لكل طرف عدو أول يبادره القتال. وبدا أن «داعش» ليس اختصاصاً روسياً، إلا بعد تفجير طائرة ركاب روسية فوق صحراء سيناء.

تجرأ أردوغان على بوتين. لم يكن ذلك محسوباً. الطائرة التي أُسقطت ليست معادية. إنها طعنة في الظهر، ولكنها في وضح النهار ومعلنة ومدّعية: حرمة الدفاع عن الحدود الجوية لتركيا. إذاً، هذا عمل محسوب ومتقَن. أرادته تركيا رسالة ليفهمها الجميع: «أنا هنا». لا أحد يمكنه أن يتجاوز أردوغان. وفي علم السياسة هذا صحيح، وفي مصلحة الأحلاف، هذا صراع تليه فصول سياسية عاصفة وردود فعل متدحرجة. منطوق رسالة أردوغان، سوريا ليست لروسيا وحدها. كما هي ليست لإيران. فتركيا جارة بأطول حدود. وعلى حدودها «عدو» كردي بلبوس متعدّدة. «بشمركة» و «حزب عمال كردستاني». ولو خُيّرت تركيا بين «داعش» و «الكرد» لوضعت «الكرد» في رأس قائمة الأعداء. وأجّلت «داعش» إلى ما شاء الله. ثم هي حضنت وأهّلت وسهّلت وسرّبت كل ما يحتاجه «داعش»، إضافة إلى كونها «السوق النفطي» الممتاز لآبار «داعش» النفطية. ويُضاف إلى ذلك، انها استثمرت في الصراع على سوريا، مالاً ونفوذاً و «إخواناً». وإخوانية أردوغان رعائية وعابرة للكيانات والدول. «فاتيكان» عسكري وعقائدي. فهي مع القوى الإسلامية المسلحة في سوريا… وذنب بوتين، في ظن أردوغان، أنه قادم لمقاتلة أعداء النظام أولاً، ومقاتلة «داعش» أخيراً. ولولا إسقاط طائرة الركاب في فضاء سيناء، لما افتتح بوتين معركة جديدة.

بوتين بحاجة فقط إلى وقت، ليس من سياسته ألا يردّ على ما يعترضه، فكيف إذا كانت «طعنة في الظهر»، من قبل داعم ومموِّل لفرقاء يتصفون بالإرهاب. سياسة بوتين تشبه اللكمات. تحدّاه الغرب في أوكرانيا، فانتزع القرم منها. هدّدوه بالثورة الناعمة، فأقفل أبواب الجمعيات غير الحكومية المموَّلة من الغرب. تحدّته، من قبل، الشيشان فأحال غروزني إلى خراب. لذلك، قد يدفع أردوغان الثمن الكبير. ولكن سوريا ستكون المقبرة الكبرى.

سوريا اليوم بيد بوتين، ولن يتركها أردوغان له.. والعرب يتامى المرحلة.