Site icon IMLebanon

أردوغان الى مراجعة سياساته

يرى سياسي مخضرم انّ طريقة التعاطي مع الانتخابات التركية تكشف أخطاء التحليل الرغبوي وأخطاره، خصوصاً اذا كان لهذا التحليل نتائج تنعكس على الأداء السياسي.

الذين اعتقدوا انّ عدم حصول حزب «العدالة والتنمية» على الغالبية في انتخابات حزيران الماضي هو هزيمة كبرى له ولرئيسه الفعلي الرئيس رجب طيب اردوغان تناسوا انّ هذا الحزب قد نال 42 في المئة من اصوات الاتراك وأنه الأكثر اصواتاً ونواباً في تلك الانتخابات.

ويخطىء ايضاً الذين يعتقدون اليوم انّ حزب اردوغان ـ داود اوغلو قد فاز فوزاً عظيماً في الانتخابات الاخيرة لأنهم تناسوا انّ نصف الاتراك تماماً لم يصوّتوا له.

وبين التحليلين تضيع، حسب هذا السياسي المخضرم، جملة حقائق. أوّلها انّ شعار «الاستقرار» الذي خاض تحته اردوغان وحزبه الانتخابات هو شعار محافظ لن يتماشى كثيراً مع الطموحات الكبرى التي لم يخضها اردوغان ونَظّرَ لها رئيس وزرائه داود اوغلو في نظريته حول العثمانية الجديدة، فشعار «الاستقرار» الذي أدركَ اردوغان بدهائه السياسي انه اكثر الشعارات قُرباً للناخب التركي خصوصاً في ظلّ ما شهدته البلاد من توترات امنية وعمليات ارهابية، دفعَ البعض الى القول انّ «الجنرال خوف» هو الذي قام بانقلاب انتخابي أعاد فيه اردوغان وحزبه الى الواجهة.

وحين يلجأ اردوغان الى اعتماد «الاستقرار» شعاراً لحملته الانتخابية وبرنامجه المقبل، فهذا يتضمن مراجعة لكلّ السياسات التي قادت الى الاهتزازات الامنية وخصوصاً سياسة اردوغان تجاه سوريا التي أفرزت له خطرين أمنيين داهمين هما: الاكراد من جهة وتنظيم «داعش» من جهة أخرى.

ويضيف هذا السياسي انه اذا كان الاستقرار «حبيب الاتراك» وهم لم يروا بعد شيئاً من الاهوال التي رآها السوريون والعراقيون والليبيون واليمنيون، وحتى المصريون، فكيف بتأثير هذا الشعار على قلوب كل هذه الشعوب وعقولها والتي دفعت بكثيرين من أبنائها الى ما يُشبه الكفر بكلّ احاديث الثورة ودعوات الديموقراطية بعدما رأوها تتلاشى على أيدي الجماعات الارهابية التي اجتاحت المعارضة السلمية قبل أن تجتاح مناطق كان يسيطر عليها النظام.

فهل يدرك اردوغان في سياسته الجديدة حاجة المنطقة كلها الى الاستقرار ويكفّ عن التورّط في ملفات دامية في هذا البلد العربي أو ذاك، وخصوصاً في سوريا؟

لقد أغفلَ كثيرون ممّن تحدثوا عن فوز اردوغان العظيم انّ الانتخابات جَرت في أجواء مشحونة من الضغط السياسي والامني والاعلامي ما دفعَ هيئات مراقبة الانتخابات التركية التابعة للاتحاد الاوروبي نفسه الى التسجيل في تقريرها جملة مخالفات ترقى الى حدود الفضائح، خصوصاً لجهة ما أشارت اليه من حملات قمع للمعارضين ولقنوات تلفزيونية تمّ إغلاقها ولصحافيين تمّ سجنهم.

ويقول السياسي نفسه انّ مثل هذه التقارير لن تمر بلا وقفة للاتحاد الاوروبي تجاه مسألة انضمام تركيا إليه، لا بل ستضرب في الصميم الصفقة التي عقدتها المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في 18 تشرين الاول الماضي مع اردوغان ووَعَدته فيها بثلاثة مليارات من الدولارات مقابل إغلاق الممر التركي للاجئين السوريين الى اوروبا، كذلك وَعَدته بأشياء أخرى لن تعود قادرة على تنفيذها في حال أعار الاوروبيون الاهتمام لتقارير لِجانهم التي راقبت الانتخابات التركية.

ولكنّ هذا السياسي يشير الى انّ هذه السلبيات التي تشوب فوز اردوغان لا تقلّل ابداً من اهمية الانتصار الانتخابي الذي حقّقه حين نجح في اللعب على التناقضات بين الاحزاب المعارضة له الى أبعد حد. كذلك نجح في عقد صفقة مع واشنطن لم تُعرَف تفاصيلها بعد لكي تضغط الادارة الاميركية على الزعيم الاسلامي التركي فتح الله غولن لتناسي خلافه الحاد مع اردوغان والإيعاز لجماعته بالتصويت لحزب «العدالة والتنمية».

ولا يستبعد السياسي إيّاه ان يكون التدخّل العسكري الروسي القوي في سوريا عاملاً استخدمه اردوغان ايضاً في إثارة مخاوف شرائح واسعة من المجتمع التركي، لا بل في استغلال مشاعر مذهبية معينة وتأليبها لمصلحته كرجل قوي قادر على مواجهة التمدد الروسي في الشرق الاوسط، فيما موسكو، في نظر بعض الاتراك، تمارس قمعاً في حق بعض الشرائح الاسلامية داخل الاتحاد الروسي وحوله، خصوصاً مَن تجمعهم بالاتراك أصول عرقية.

يبقى السؤال هل فهم اردوغان وحزبه الدروس الحقيقية من الهزّة الانتخابية التي تعرّض لها في حزيران الماضي، فبدأ مراجعة جذرية وعميقة لسياساته الخارجية وطموحاته الامبراطورية، خصوصاً في سوريا بما يخفّف من أعباء الازمة السورية السياسية والاجتماعية والامنية على بلاده؟

ام انه سيسيء فَهم هذه الهزّة التي كادت أن تخرجه من الحكم ويعتقد انّ الاصوات الاضافية التي حصل عليها في الانتخابات الاخيرة تسمح له بالعودة الى سياساته القديمة؟

المهم في هذا كله ان لا يستعجل السياسيون والاعلاميون المعارضون لأردوغان او الموالون له داخل تركيا وخارجها في بناء أوهام حول خسارة نسبية أو فوز نسبي ويبنوا تقديراتهم في ضوء هذه الحسابات.

والأرجح، حسب السياسي المخضرم، أن يراجع اردوغان سياساته ويدرك عمق التحولات الاقليمية والدولية التي حصلت في الاسابيع الاخيرة فيبدأ التكيّف معها متذكراً دائماً انّ على حدوده دولتين هامّتين هما روسيا وايران، وانّ العلاقة بينهما مسألة أساسية بالنسبة الى مستقبل تركيا السياسي والاقتصادي والامني.

ملامح الموقف التركي والمراجعة التركية ستظهران بوضوح في تعامل أنقرة مع الازمة السورية، وفي مدى انخراطها في اتفاق فيينا المرتقَب لحلّ هذه الأزمة.