غريب فعلاً أن يمتد إلى طهران، وقيادة «الحرس الثوري» تحديداً، شعاع «المنزعجين» من قول الزعيم التركي رجب طيب أردوغان أن هدفه (الأخير) في سوريا هو إسقاط «الطاغية بشار الأسد»، بعد أن كانت موسكو على كل مستويات القرار فيها طوّشت الدنيا، تارة «بانزعاجها» ذاك، وتارة أخرى بإعلانها أنها «تفاجأت» بذلك الموقف.. ثم الدخول من قبل بعض دوائرها في عملية تشريح للموقف المعلن والوصول إلى نتيجة مزدوجة! واحدة تقول إن موقف أردوغان «غير رسمي» بل نُقل عن «مصادر إعلامية»، وثانية تقول إنه موقف «عاطفي» وموجّه إلى الداخل التركي الغاضب على ما يحصل في حلب!
والأغرب في تلك المناحة، كان تركيز الآلة الإعلامية الممانعة على ما قيل من إن الرئاسة التركية أصدرت «توضيحاً» لكلام أردوغان، وإن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي جاء إلى أنقرة للبحث في الموقف «المستجد»! وإغفالها في المقابل، أن الزيارة مقررة مسبقاً، ثم تطنيشها تماماً عن موقف «رسمي» شديد الوضوح قاله نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش وفيه حرفياً «إن التقارب مع روسيا لم يغيّر موقف أنقرة من ضرورة رحيل الأسد لاستعادة السلام في سوريا»!
بغض النظر عن ذلك كله، برغم أهميته المزدوجة أكان لجهة الدلالة مجدداً على طبيعة عمل الآلة الإعلامية الممانعة وإيثارها الفبركة على الموضوعية، والتأليف على الوقائع الدامغة، أو إن كان لجهة التأكيد على الموقف التركي الأساسي من الأسد والضرورة الشرطية لرحيله.. فإن اللافت والغريب هو أن التحالف الإيراني – الروسي وملحقاته الأسدية والميليشيوية، لم يتحمّل جملة واحدة من الزعيم التركي تتوعّد الطاغية بالإقصاء والاندثار!
هذا تحالف «جبابرة» على ما يدّعي. يحقق «إنجازات» ميدانية على الأرض! ويطحش بقوة النار وانعدام الأنسنة إلى الأمام! ولا يجد في مقابله قوة موازية لآلته الحربية! ومع ذلك أصيب بالهلع والهستيريا جرّاء جملة أردوغانية واحدة!
الواضح (حتى الآن) أن ذلك التحالف يخوض معركة حلب بالنار والإعلام معاً.. ويحاول إنضاج مناخ نفسي مُحبِط تماماً لمن يقاتل في النصف الثاني من شرق حلب. ويستفيد (للمفارقة) من كثرة الضخ المعادي، العربي وغير العربي الذي يراوح في أدبياته عند مفردات الندب والمناحة المفتوحة ويكرر (حقيقة!) أن العالم يتفرّج على نكبة السوريين ولا يتدخّل! ما ينتج في المحصلة مناخ يأس وإحباط وإقفال في صفوف الصامدين وبيئتهم الحاضنة، يوصل في المحصلة إلى الانكسار والتسليم والإذعان!
ما فعله الزعيم التركي في قولته عن الأسد ينسف ذلك المناخ اليائس! ويعيد الألق إلى «الفكرة المركزية» القائلة بأن «الثورة» كانت ولا تزال ضد الأسد وارتكاباته ونظامه، وإن الأثمان المهولة التي دفعها السوريون لن تذهب هباء! وإن أي أفق مستقبلي لا يمكن أن يُفتح طالما أن «الطاغية» لا يزال في مكانه (الجغرافي وليس السلطوي!).. وبالتالي إن صمود المحاصرين في شرق حلب ليس انتحارياً ولن يكون. وليس صحيحاً بعد ذلك وفوقه، إن «العالم» تخلى عن شعب سوريا طالما أن شعب سوريا لم يتراجع عن ثورته! وطالما أن واحدة من أقوى دول المنطقة، أي تركيا، لا تزال عند مواقفها المبدئية ولم تضيّع البوصلة! بدلالة موقف زعيمها التاريخي رجب طيب!
.. وفي السياق: نُقِل قبل أيام عن «مصادر عسكرية سورية» أن معركة «تحرير» حلب يجب أن تنتهي قبل تسلّم دونالد ترامب مهامه في كانون الثاني المقبل! وفي مقابل ذلك، نُقل عن قادة الثوار في المدينة أن هؤلاء لن يتركوا مواقعهم ولن ينسحبوا قبل ترامب وبعده! أي أن المعركة مفتوحة… وطويلة! وسلاح الحرب النفسية الذي عوّل ويعوّل عليه محور الممانعة لم يعد ينفع في شيء!