Site icon IMLebanon

أردوغان.. ماذا بعد «التسريبات»؟

 

ظهر الرئيس التركي في قضية جمال خاشقجي – رحمه الله – عشرات المرات عبر قنواته على غير عادته، مستميتاً لتحقيق هدف سياسي واحد بعيداً عن أي شأن داخلي تركي، سواء ما يتعلق بالأزمة المالية التركية الخانقة ومطالب الدائنين أم التهم الإنسانية التي تواجهه في أعقاب ما يسمى بالانقلاب قبل عام، في كل مناسبات الظهور – في الشهرين الماضيين – كان جل حديثه يدور حول ما حدث في القنصلية السعودية، الهدف المحدد هو النيل من ولي العهد السعودي على رغم حرصه «المزيف» على أهمية المحافظة على العلاقات مع المملكة العربية السعودية، كيف يمكن تقبل هذه «النظرية النسبية» الجديدة؟ الله وحده يعلم. واضح جداً أن «السلطان» غير مدرك أن ولي العهد السعودي تمت مبايعته شعبياً وداخل الأسرة الحاكمة، هو لا يدرك أيضاً أن ولي العهد امتلك عقول وعاطفة الشعب السعودي بكل فئاته وأن الشعب السعودي عصيّ على مثل هذه المؤامرات والحملات. من هنا يبدو أن معادلة السيد أردوغان موجهة فقط للرعاع من الإخونجية وطاقم قناة «الجزيرة» القطرية، واضح أن هؤلاء ومن واقع خبراتهم يرون أن ما نجحوا به نسبياً في ليبيا وأماكن أخرى يمكن أن ينجحوا به في المملكة العربية السعودية.

 

 

الخوض في الأسباب خلف هذا الهوس لم يعد خافياً بالطبع، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود مشروعاً نهضوياً عظيماً ليس فقط داخل المملكة بل وخارجها، مشروع كهذا في نظر أردوغان لا يحمل إلا نتيجة واحدة وهي إفشال مشروعه الذي يهدف إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط. تركيا لمن لا يعلم، لعبت دوراً رئيساً وعبر تعاون نظام قطر معها، ساهمت في تدمير ليبيا وسورية. قطر نفسها وبالنيابة عن تركيا وإيران، كانت تمارس دور الحليف الخائن في اليمن مع الأسف. قبل ذلك مارست دور الممول لتحركات المتطرفين (سنتهم وشيعتهم) داخل السعودية قبل أن يتم سحقهم. قطر وليس آخراً، لها دورها المفضوح في تمويل «داعش» و«القاعدة» في شبه جزيرة سيناء. لا يوجد عاقل بالطبع يمكن أن يرى أن ما تقوم به قطر هو سياسة «دولة» مستقلة تسعى لوحدها لهدف معين لأنها أصغر بكثير من ذلك ولا يوجد لديها عناصر القوة للتوسع والتأثير مهما بلغت الأموال التي داخل خزينتها. لذلك، هي تدرك أن تحالفها مع مثلث الشيطان المنبوذ في الشرق الأوسط (إيران وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين) هو الخيار الوحيد أمامها بعد سقوط مؤامراتهم مع القذافي ضد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفشل «الإخوان» في حكم مصر. أردوغان في المقابل بحاجة إلى المال القطري السائب بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.

 

أردوغان ومنذ أن بدأت القضية بالظهور لم يكن موفقاً على كل حال، ويستمر إلى اليوم حتى مع وجود الهالة الإعلامية المتجددة التي أصبح يقودها أخيراً السعودي محمد المسعري المقيم في لندن عبر «الجزيرة». المسعري تفوق في هذه الأيام على رفيق دربه سعد الفقيه الذي تلاشى حضوره على هذا المنبر. يقول بعض المعلقين ساخراً إن نهاية حملة الدراما التركية – القطرية حول خاشقجي تمثلت في تحول العاطل المسعري من ضيف إلى مستشار سياسي إعلامي للحلف البائس. من فرط الحماس الذي يتمتع به هذا المستشار الجديد إشارته قبل بضعة أيام بأن مقتل خاشقجي «نعمة كبيرة» و«فرصة قد لا تتكرر وعليهم، أي التحالف المذكور، عدم التوقف مهما آلت إليه الأحوال». أليس هذا بالتحديد ما يقوم به أردوغان وما تقدمه «الجزيرة» وفروخها الإعلامية في أوروبا بقيادة عزمي بشارة؟ بمعنى أن تركيا بعظمتها المزعومة لم تجد أمامها بعد أن تمزقت حبال الأصوات وانتهت مسرحية التسريبات إلا الأخذ بوصايا محمد المسعري.

 

على أن أردوغان سيضطر قريباً إلى الحديث عن تركيا ومشكلاتها الاقتصادية والحقوقية. سيواجه المزيد من التساؤلات حول المعتقلين في بلاده وهم بعشرات الآلاف ممن تم اتهامهم بالضلوع في الانقلاب المزعوم قبل عام. سيواجه الكثير من التساؤلات حول مصير من تم قتلهم ودفنهم في مقابر جماعية. هذا على المستوى الداخلي أما الخارجي فسيواجه ردود الأفعال العربية وعلى رأسها المملكة. كما سيواجه عالمياً ثمن تجسسه على البعثات الديبلوماسية في تركيا. ولولا أن تركيا عضو في حلف الناتو، ولولا التخطيط لمواجهة برامج إيران النووية وتطويرها في صناعة الصواريخ المخالفة للاتفاقية والحاجة لتأجيل بعض الملفات، لربما تصرفت المملكة مع تركيا بشكل وآلية غير مسبوقة بين البلدين ونعرف مسبقاً من سيكون الخاسر هنا. هذا بالمناسبة ما يزيد من تخبط هذا الرجل وأقصد صمت السعودية وعدم دخولها في المهاترات التي كان ربما يأمل بها على الأقل حالياً. كل يوم يظهر ويهدد بكشف «معلومات» جديدة ويأمل في أن ينجح في هذا الابتزاز بينما يستمر الجانب السعودي بموقف المستمع ويتجاهل بحكمة ودهاء ما يقال.

 

في المقابل، مسيرة النهضة والبناء وتنوع مصادر الدخل وبرامج التحول الوطني في المملكة تسير بحسب ما هو مخطط لها، لا يوجد وقت لدى السعوديين يمكن استغلاله للدخول في جدل حول قصص وروايات الخونة والغادرين، النهضة وبناء القوة هو تحدي الملك وولي العهد وكل مواطن ومسؤول سعودي، وهو ما سيفرض على الجميع بمن فيهم بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ممن ركب موجة الإعلام المزيف، احترام الدولة والقيادة والشعب.

 

في مصر الشقيقة يرددون: «امشي عدل يحتار عدوك فيك»، السعودية «تمشي» عدل لكنها، وموقتاً، تصمت والصمت في الضجيج لغة لا يسمعها ويفهمها إلا العقلاء. المملكة اليوم وبعد أن تحولت خطبهم وبرامجهم إلى سراب، هي من يملك الخطوة الواثقة ويمشي ملكاً كما قال الراحل إبراهيم ناجي في «الأطلال».