Site icon IMLebanon

«الخطأ» الروسي.. المقصود

تحدّث بعض الأنباء (غير الحاسمة) في اليومين الماضيين عن استهداف الطيران الحربي الروسي مجدداً وعن طريق «الخطأ» أحد مواقع «حزب الله» في الداخل السوري ما أدى إلى مقتل ستة عناصر.. وترافق ذلك التسريب، مع أصداء غارات مكثفة استهدفت، على ما قيل، مواقع للمعارضة السورية في المناطق المحاذية للحدود اللبنانية الشرقية.

«الخطأ» الروسي ليس الأول وربما لن يكون الأخير. وهو في كل حال، وارد ومألوف ويحصل عند الجميع ومع الجميع، وفي كل الحروب والمواجهات المشابهة لتلك الدائرة في سوريا وسمائها..

لكن القصّة ليست هنا وإلا ما كانت لتروى! بل هي في تلك المساحة الواضحة، (برغم إصرار أهل الممانعة على ادعاء العمى إزاءها) المتصلة بخطوط التنسيق الروسي الإسرائيلي، والتي قال عنها وزير الخارجية السابق في حكومة نتنياهو أفيغدور ليبرمان، إنها قائمة على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع (أي 24 على 7!) وأنها عميقة وأبعد من عنوانها العسكري ووسائل الاتصال التي تفرضها العمليات الحربية!

وذلك يستدعي الشياطين ولا يترك مجالاً لغيرها. بحيث إن تكرار الخطأ يحيل الأمر إلى احتمالين أسوأ من بعضهما البعض: إما أن التقنية القتالية الروسية مصابة بخلل يجعلها أدنى حكماً من نظيرتها الغربية ويؤكد تفوق هذه الأخيرة المعروف تاريخياً وعلمياً وعملياتياً. وإما أن هناك أجندتين لـ«عاصفة السوخوي» هذه. واحدة معلنة تستهدف المعارضة المسلحة والبيئة البشرية التي تحتضنها، بما في ذلك المستشفيات والأحياء السكنية والأسواق التجارية والمدارس والتي تُستهدف وتُستباح تحت ستار محاربة «الإرهاب الداعشي». وواحدة غير معلنة تستهدف تكراراً، وعن سابق تصور وتخطيط مواقع «صديقة» و»حليفة» لكن تحت ستار «الخطأ» غير المقصود، أو ما يصطلح على تسميته «نيران صديقة»!

والاحتمال الثاني هو الأرجح نسبة الى شيئين أساسيين ومركزيين. الأول (مرة أخرى) عمق التواصل الروسي الإسرائيلي وامتداداته الأبعد من جغرافية الحرب السورية. بما يعنيه ذلك من تقاطع مصالح بين موسكو وتل أبيب أكبر من أي حرص على أي طرف آخر أكان أسدياً أم إيرانياً أم متعلقاً بـ»حزب الله». والثاني مستوى القيم الهابط الذي يحرك سياسة بوتين في العموم وتجعله خلاصياً مستعداً لارتكاب أي «جريمة» من دون تردد طالما أنها في عُرفه، تصب في مشروعه الباحث عن إعادة إحياء أمجاد الأمة الروسية في كل اتجاه.

وهو ما يفسر مثلاً، «اتهام» بوتين بتدبير سلسلة من التفجيرات الإرهابية في قلب موسكو في سياق تحضيره لحربه في الشيشان التي تميزت بوحشية فظيعة.. وباللحاق بأحد معارضيه الى لندن وقتله بطعنة سامة.. واغتيال أحد أبرز معارضيه السياسيين أيضاً عند أسوار الكرملين في قلب موسكو. واستخدام الأسيد لتشويه قادة المعارضة الأوكرانية الذين رسخوا «فكرة« الاستقلال عن روسيا. واعتماده القوة القاتلة إزاء محاولات جورجيا ترسيخ الاقتراب من الأوروبيين والأميركيين. والبطش مجدداً بأوكرانيا من زاوية الاستخدام المسفّ للمعطى الأقلوي (الروسي) فيها، ثم اعتماد البلطجة المفضوحة في ضم شبه جزيرة القرم، أو إعادتها على ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية. ثم الانتهازية الرخيصة التي لا يزال يعتمدها في سياق تصاعدي، إزاء حادثة إسقاط تركيا لطائرة «السوخوي».. عدا عن الكثير من «التفاصيل« الداخلية المتصلة بالجرائم التي طاولت صحافيين وإعلاميين ورجال أعمال وسياسيين خرجوا عن النص داخل روسيا نفسها.

في هذه السيرة ما يُبرر الاستطراد إزاء عناصر النكبة السورية وكل ما يتصل بها ويسهل إلى حد بعيد، (وبعيد جداً) افتراض الكثير من الصحّ، في اتهام بوتين بتقصد تكرار «خطأ» قصف «أهداف صديقة» طالما أن الأولوية عنده هي لإسرائيل وليس لغيرها، وطالما أن أحداً فوق هذه الأرض، لا يستطيع تقديم شرح مقنع أو كافٍ لمعنى أن تُدار حملات عسكرية ضخمة بواسطة غرف عمليات مفتوحة على بعضها البعض تربط، بشكل مباشر، إسرائيل بإيران بـ»حزب الله» بالطغمة الأسدية، تحت الستار الروسي؟!!!

.. بالمناسبة، وعلى الهامش: هناك تسعة عسكريين لبنانيين لا يزالون في الأسر عند «داعش». ويُقال إن المناطق التي يحتجزون فيها هي ذاتها، التي يقصفها الطيران الروسي عند حدود لبنان الشرقية منذ يومين؟!