انعقد ولم يعش.
والمقصود مجلس النواب.
واضطر الرئيس نبيه بري الى اللجوء الى عبارة التوسل لدعوة النواب الى جلسة مقبلة.
والمقبول ليس الرغبة في التشريع وهو معطل، بل تفادياً لاقدام البنك الدولي على شطبه من لائحة المساعدات.
والتغيير الأبرز في جلسة انتخاب رؤساء اللجان النيابية، هو انتقال النائب أنطوان زهرا الى اللجنة المالية، والنائب روبير فاضل الى اللجنة الاقتصادية.
وتصحيح الخطأ، إن وُجد عمل برلماني سليم ومفيد.
الا ان مقاطعة البرلمان حضوراً وتشريعاً، سوء ممارسة حيناً، وسوء مفهوم للدور السياسي أحياناً.
والرئيس بري العائد حديثاً من جولة برلمانية، يضيمه الفراغ.
وينعشه الوجود البرلماني، أياً كان نوعه.
والبرلمان أمضى عاماً في الفراغ السياسي.
لكنه استعاد دوره باستعادة لمحة تشريع أملتها الضرورة، وليس تشريع الضرورة.
وفي حقبة الثلاثينات، وفي عز الانتداب الفرنسي وقف الرئيس ألفرد نقاش، مندداً ب التقاعس النيابي، عن مواكبة الحياة المجلسية، وقال عبارته الشهيرة: البرلمان إن اجتمع أو تقاعس عن الاجتماع، يكون رمزاً للحياة النيابية أو مشهداً على زحف الموت اليها!!
***
لهذا السبب تتكاثف الاخطاء النيابية.
وثمة نواب يريدون المزيد من الجلسات لانتخاب رئيس للبلاد.
وثمة آخرون يقاطعونها، لأنهم يبررون غيابهم بأنهم لا يريدون انتخاب دمية تتولى رئاسة الجمهورية.
وهنا يشتد الصراع حول شخصية الرئيس القوي، وتحديد عناوين القوة والضعف.
في حقبة الستينات كان رئيس الجمهورية فؤاد شهاب يرئس اجتماعاً لدرس موضوع دقيق حضره وزير التربية فؤاد بطرس، والمستشار الفرنسي للموضوع، فما كان من الوزير الا أن عارض آراء المستشار وصمت.
في اليوم التالي عرف فؤاد بطرس ان رئيس الجمهورية أبدى استياءه من آرائه الفظة.
وقبل حلول المساء، اتصل المستشار بالوزير معتذراً، لأن آراءه كانت هي الأسلم من آرائه، والأكثر صواباً.
وأردف، متصلاً بالرئيس شهاب، وصارحه بأن وزير التربية كان على حق في ما ذهب اليه خلال الاجتماع.
بعد ٤٨ ساعة، طلب فؤاد شهاب اجتماعاً مع الوزير والأعضاء، في القصر الرئاسي في ذوق مكايل.
وفي بداية الاجتماع بادر رئيس الجمهورية الجميع، بأننا مدينون باعتذار الى معالي الوزير بطرس، لأن آراءه كانت صائبة، ونحن مارسنا عليه نوعاً من التجنّي، عندما وصفنا آراءه بأنها خاطئة.
وجدّد الأمير اللواء تقديره لوزير التربية، لأن المستشار الفرنسي اتصل به، وصارحه بأن وزيره كان على حق، في كل ما أبداه من آراء…
***
كان اعتذار فؤاد شهاب من الوزير الذي جاء به الى الحكم، عندما قرر توسيع الحكومة الرباعية التي كانت تضم الرئيسين رشيد كرامي وحسين العويني والشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون اده، أكبر درس هبط على الحكم، لأن الكبير، ساعة يعتذر، تكون جرأته أكبر هدية الى الحكام والمسؤولين.
ولهذا، كان فؤاد شهاب وجمال عبدالناصر، أفضل ثنائي حكم لبناني ومصر بقوة العدل، ونزاهة القصد وسرعة القرار والتنفيذ.
هل هذا ما تعانيه البلاد من أخطار، وهل يعود الاعتذار الى مفاهيم الحكام والمسؤولين؟