Site icon IMLebanon

خطأ مقابل خطأ  

يستمر باراك أوباما في شرح وتبرير سياساته السورية، لكنه في موازاة ذلك، يبدأ، هو تحديداً، في العمل على تقديم ما يناقضها ويؤكد ما فيها من قصور خطير.

ذلك ما تعنيه تماماً ومباشرة، أطنان المساعدات العسكرية التي ألقتها على الحسكة والرقة قبل أيام، طائرات شحن أميركية والتي، على ما يفترض، أمّنت خطوط تحليقها في الأجواء السورية بطريقة حاسمة. بحيث إن لا الطيران الحربي الروسي ولا منظومات الدفاع الجوي الأسدية الموجودة بكثافة في الشمال وبرعاية وعناية ودراية وحفظ «الخبراء» الروس أيضاً، أمكنها، أو حاولت اعتراضها والتصدي لها.

وأهمية هذا المعطى مزدوجة. أولاً لأنه يكبح جماح غطرسة بوتين، وينفّس حملة الترويع التي رافقت بدء هجماته النارية، ويضرب معنويات المحور الأسدي الإيراني بكل مراتبه، ويدفع غرفة عملياته إلى إعادة فلش الخرائط بطريقة مغايرة لما هي عليه، ويبخّس ذلك الضخ المتشاوف عن توقع انقلابات دراماتيكية في مآلات المواجهة الحاصلة.. وثانياً، لأنه يدل على توجه أكيد نحو نسف أي توقعات خاصة بقدرة موسكو وطهران على فرض «تصورهما» للمشهد السوري المستقبلي، ومحاولة إعادة تعويم سلطة الأسد من خلال تمكينه من ادعاء السيطرة مجدداً على المناطق التي خسرها.

ولم يخطئ من افترض منذ لحظة بدء العمليات الحربية الروسية، أن بوتين كبّر حجره الى حدّ لم يعد بإمكان مستر أوباما التغاضي عنه! وتمكّن في أيام معدودة من إطلاق آلية تغيير في سياسة أميركية عمرها أربع سنوات ونصف السنة: في اللحظة التي خرج فيها العسكر الروسي من حدود بلاده بهذه الطريقة القتالية، صار أمره شأناً دولياً أكبر من حدود سوريا وجغرافيتها وحساباتها.. وأكبر من قدرات ساكن البيت الأبيض على النجاح في تسويق سياسة فاشلة!

جلد التمساح الذي لبسه أوباما، إزاء البعد الإنساني للنكبة السورية، لم يكن في «الجودة» ذاتها إزاء البعد السياسي لتلك النكبة: مكاسبه الخاصة ببلاده فاضت عنه حتى صارت ضده. تفرج من بعيد على مسرح يتقاتل عليه كل أعدائه وأخصامه وكل «إرهابيي العالم الإسلامي» بشقيه المذهبيّين. وفاوض إيران في النووي على وقع استنزافها البشري والمادي والأخلاقي فوق خشباته السورية.. وهو الاستنزاف الذي قدم إضافات (لا بد منها) على الأزمات التي سببتها العقوبات المالية والاقتصادية أصلاً.. لكنه في الإجمال، تجاهل الأصدقاء في المنطقة وأوروبا مثلما تجاهل الأخصام في موسكو. وإذا كان الشق الأول مقبولاً في حساباته، فإن الشق الثاني كان على العكس: استطاع تحمّل تقريع الحلفاء والأصدقاء وانتقاداتهم، لكنه لم يستطع تحمل مجيء الدب الروسي إلى ساحة تخضع لرقابته! وهو الذي كان يفترض أنه يحاصر ذلك الدب في قفص العقوبات بعد القرم وأوكرانيا ويعتمد حياله استراتيجية تمنع تحوله مجدداً إلى منافس استقطابي له على مستوى العالم!

«يكتشف» أوباما اليوم، أن بعض السلاح النوعي كان يمكن أن يجنّبه، ويجنّب العالم بأسره، تلك الاحتمالات المفتوحة على الأسوأ.. وقليل من الحظ كان يكفي لتجنيب السوريين تداعيات ذلك السقوط، كما تجنيبهم تلك المفارقة القائلة بأنهم الضحايا في كل حال: يخطئ بوتين فيدفعون ثمن أخطائه. ويخطئ أوباما فيدفعون ثمن أخطائه!