Site icon IMLebanon

تصعيد مجلس التعاون.. ضغط سياسي من دون مفاعيل

لم ينتظر الخليجيون مرور 24 ساعة على خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي دعاهم الى «الفصل» بين الحملة التي تقودها السعودية على لبنان الرسمي متمثلاً بمؤسسته العسكرية وشعبه المتمثل بالدرجة الأولى بالمغتربين العاملين في الدول النفطية، وبين «الحرب» على الحزب «المطلوب رأسه» من هذه الدول، لتكون المواجهة من دون تعميم، أي «وجهاً لوجه»… حتى أتى الردّ سريعاً على لسان مجلس التعاون الخليجي الذي اعتبر الحزب «منظمة إرهابية»، ليشمل هذا التصنيف كافة قادته وفصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه.

لا حاجة للبحث كثيراً في معجم التفسيرات القانونية والسياسية لقرار مجلس التعاون لتبيان حجم التداعيات والنتائج العملانية التي يحملها في بطانته، اذ يكفي الركون الى موقف سعد الحريري عقب مشاركته في «الجلسة ـ المحاولة» الـ36 لانتخاب رئيس للجمهورية، والذي أكد بالحرف الواحد أنّ تصنيف الحزب ليس جديداً واستطراداً لا تأثير لهذا القرار على العلاقة مع «حزب الله» ولا على موقعه في الداخل اللبناني.

الحريري نفسه عاد وذكّر اللبنانيين أنّ الحزب وارد على اللوائح الأميركية «السوداء» بكونه منظمة ارهابية كما أنّ جناحه العسكري لم يغادر اللوائح الأوروبية، وبالتالي إنّ اضافته الى لائحة مجلس التعاون الخليجي، قد تصير بمثابة «كمالة عدّة» العاصفة التي تقودها السعودية بوجه الحزب، من دون أن يعني ذلك أنّ القرار الخليجي سيغيّر بخريطة التوازنات أو سيحمل تبعات اقتصادية أو أمنية.. أو حتى سياسية بارزة.

يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشان أنّ الاستثمار اللبناني للحملة السعودية يفوق ما تريده الرياض من هذه «الهبّة»، بحيث أنّ أخبار ترحيل اللبنانيين من دول الخليج لا أثر لها الا على صفحات الاعلام اللبناني وجدران مواقعه التواصلية.

أما التقارير العلمية الموثقة فتؤكد أنّ أقل من مئة لبناني تمّ توقيفهم عن العمل في هذه الدول أو الغاء عقودهم، لسبب بسيط هو أنّ اقتصادات هذه الدول بحاجة الى اليد العاملة اللبنانية ولخبراتها ولا يمكن لها أن تستغني عنها، حتى لو كانت السعودية تستشيط غضباً من «حزب الله» ومن أفعاله العسكرية الخارجية. وهذا يدل على أنّ الحملة الهوجاء التي يتخوف منها اللبنانيون والتي يهدد البعض الآخر بعضلاتها، ليست مطروحة أبداً.

حتى أنّ التهديد بسحب الاستثمارات الخليجية من لبنان أو عرضها للبيع، فيه بالنسبة لمواكبي هذا الشأن، الكثير من المبالغة وعدم الواقعية، ذلك لأنّ هذه الاستثمارات هي للقطاع الخاص، ولا يمكن بالتالي للسلطات الخليجية أن تفرض على أصحاب الرساميل بيعها أو تركها لقمة سائغة، وحتى لو فعلوا ذلك قد لا يجدون مشترين مستعدين لشراء هذه الحصص والاستثمارات.

بالنسبة الى هؤلاء، فإنّ خطوات أقل صعوبة من سحب الاستثمارات، لم تحصل، وهي «النزوح» الخليجي من لبنان، وفقاً لما طلبته هذه الدول من رعاياها. أذ يؤكدون أنّ هناك أكثر من عشرين ألف مواطن خليجي في لبنان لم يتأثروا بتنبيهات حكوماتهم ولم يغادروا الأراضي اللبنانية، كونهم يعرفون جيداً أنّ التوتر العابر للحدود ليس سوى تعبير عن ضغط سياسي لا أكثر. وبالتالي لا خشية عليهم من أي ارتدادات أمنية.

هكذا، يعتبر خشان، أنه لا يمكن فهم خطوة مجلس التعاون الخيلجي الا كونها تأتي في سياق الضغط السياسي على «حزب الله»، والتي لا تتضمن أي ترجمة عملية يمكن لها أن تضرّ بعمل الحزب أو أن تؤثر عليه، أو أن تنقل السجال عبر الفضاء الإعلامي، الى الشارع.

ولو كان كذلك لكانت الرياض فعلتها من زمن ولما انتظرت حتى اليوم كي تحمّس دول الجوار المتمثلة بمجلس التعاون، على ضمّ «حزب الله» الى لوائح الارهاب. مع أنّ المجلس هدد باتخاذ «الإجراءات اللازمة لتنفيذ قراره، استناداً إلى ما تنص عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبقة في دول المجلس، والقوانين الدولية المماثلة».

بنظر خشان فإن كل ما يحصل لا يعبّر الا عن يأس السعودية من التطورات الاقليمية الحاصلة من حولها، من دون أن يعني ذلك أنّ هذه الحملة ستتحول الى حال اشتباك داخلي بسبب المظلة الدولية، والأميركية تحديداً، القائمة حول لبنان والتي تحصّن استقراره وتحول دون انفراط عقد أمنه.

يؤكد خشان أنّ الاندفاعة السعودية في لبنان كما في سوريا، تعاني من قيود تفرضها الإدارة الأميركية على الرياض، والتي تجعل من هذه الحملة المزدوجة محدودة القوة والمفاعيل، سواء في الداخل السوري أو اللبناني.

لهذا، لا يُتوقع للعاصفة التي تشنّها الدول النفطية بوجه «حزب الله» أن تعرّض الاستقرار اللبناني لأي هزة أو تداعيات غير محسوبة الحساب. كما أنّ «حزب الله» حريص على وأد الفتنة مع أولى انذاراتها واشاراتها، في حين أنّ خصومه لا يملكون القدرة على خوض اشتباك في الشارع، وفي كل الحالات سيدفع الجميع ثمن هذه المواجهة. ولهذا لن ينجروا اليها.

من جهته، يؤكد استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني أن قرار «المجلس» يصب في خانة الإستهداف السياسي لـ «الحزب»، من دون أن يكون له أي مفاعيل قانونية.

يشرح جوني أن غياب المفاعيل القانونية مرتبط بكون «حزب الله» تنظيما سياسيا و «مقاومة»، وهو تصنيف يرد في «اتفاقية جنيف الثالثة» الموقعة العام 1949، والتي شرَّعت في المادة «4 / أ ـ 2» عمل «المقاومة» بوجه أي محتل، خصوصاً في حال كانت هناك حرب معلنة من قبل أحد أطراف النزاع. وهي حال «حزب الله» الذي قاتل ويقاتل إسرائيل في حربها المعلنة على لبنان.

إلا أن جوني لا يستبعد «أن تذهب دول مجلس التعاون بعيداً في استهدافها السياسي للحزب، والإقتصادي للبنان، وبالتالي فإنه من غير الواضح إلى أين قد تصل في تصعيدها».

ويلفت الإنتباه إلى أن «الولايات المتحدة تعتبر حزب الله ارهابيا ولكنها لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع لبنان ولم يؤثر ذلك على الاقتصاد اللبناني، كما لم تواجه الحكومة اللبنانية أي مفاعيل قانونية على الصعيد الدولي».