IMLebanon

التصعيد.. إلى متى ولخدمة من؟

 

نجحت الجهود الفرنسية، حتى الساعة، باحتواء أزمة استقالة الرئيس الحريري من الرياض، والتي جهد الفريق الرئاسي اللبناني في تدويلها، في خطوات تصعيدية متجاهلا تصريحات الرئيس الحريري حول أسباب الاستقالة ودعواته المستمرة للتهدئة والحفاظ على أفضل العلاقات مع الاشقاء العرب، لأن أي قرار يخالف هذا التوجه يضع لبنان في خضم المواجهة الإقليمية ويقحمه في الصراع العربي – الإيراني من الزاوية الإيرانية، وهو أمر هجين على الوطن الصغير الذي حافظ على أفضل العلاقات مع محيطه العربي خلال الحروب العديدة والانقسامات الحادة التي مرّت بها السياسة اللبنانية عبر عقود من الاقتتال العبثي،  والأهم، هو أمر يفوق قدرة لبنان على التحمّل، إن كان من الناحية الاقتصادية او الاستراتيجية او حتى الاجتماعية!

اذاً، ما هي حقيقة الدوافع التي تكمن وراء الاستعجال في التصعيد قبل عودة الحريري؟ هل هي إعلان لالتزام رسمي بمحور ايران في مختلف الملفات الإقليمية، أم إمعان في احراج الرئيس الحريري لإخراجه، أم هي خطوات استباقية لعودته الى بيروت مع شروطه الواضحة لإنقاذ التسوية وإلا الاستقالة والدخول في مرحلة جديدة من الفراغ الداخلي حتى يتم التكليف ومن ثم التأليف، مع كل ما تحمل هذه المرحلة من صعوبات لإيجاد البديل داخلياً، على ان يكون مقبولا دولياً، ويتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة اقليمياً بأقل أضرار ممكنة؟

إذا كانت تجربة الرئيس الحريري في التسوية كتب لها الفشل، مع كل الدعم الخارجي له والاجماع الداخلي حوله، بسبب سوء فهم البعض لمبدأ التسوية واستغلالهم لها، فكيف للبديل ان يتجاوز هذه المرحلة الدقيقة وينجح في الحفاظ على التوازنات بين أجندات كل فريق من جهة والالتزام بمبادئ السلام والحياد تجاه المجتمع الدولي حتى لا يحاسب لبنان على خطايا حلفائه من جهة اخرى؟

ان التغاضي المتعمّد للدوافع التي اعلنها الرئيس الحريري والتي أدت الى الاستقالة، تؤكد إمعان «الشريك في الوطن» في استهلاك رصيد الرئيس الحريري خارجيا، تماما كما تم داخليا مع قاعدته الشعبية بسبب التنازلات المتتالية في مختلف المجالات، من تعيينات وتلزيمات الى سياسات خارجية تتناقض مع ثوابت فريقه ومن يمثل… وإذا استمر هذا النهج فانه سوف يستهلك رصيد وطن بكامله ليصبح دولة مارقة تجاه المجتمع الدولي، ودولة شاذة عن محيطها العربي الطبيعي، ولهذا الموقف كلفة تفوق قدرة لبنان على تسديدها على سائر المستويات الداخلية والخارجية!

إن إلقاء اللوم على هذا أو ذاك، وإطلاق التمنيات لا تنفع اليوم بعدما وقعت الواقعة، إلا ان مشكلة اللبنانيين الكبرى تكمن بعدم قدرتهم على تعلم الدروس واستخلاص العبر من التجارب السابقة، مهما دفعوا ثمنها… واليوم ينفع التذكير ان التجارب علمتنا، اكثر من مرة، ان لبنان محكوم بالتوافق ومهما خُيّل لفريق انه قادر على الاستئثار بالقرار، إلا أن الحياة السياسية لن تستقيم بالاستيلاء على السلطة أو إلغاء الآخر؛ ولو تم التعامل مع التسوية بجدية واحترمت بنودها التي أوصلت العماد عون الى بعبدا والرئيس الحريري الى السراي وأعادت الدم الى عروق مجلس النواب، لما وصل لبنان ليواجه محيطه العربي بدلا من ان يكون المنفذ الاقتصادي والاجتماعي في هذه الأيام الصعبة كما كان دائما. ولو نجح فريق الرئيس عون بإقناع حلفائه، وليس العكس، بتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية لكانت التسوية استمرت مجنبة الوطن الصغير خضات اقتصادية وأمنية وحتى اجتماعية، اذا ما انعكست الأزمة على اللبنانيين العاملين في دول الخليج، بل لكان لبنان استفاد من مناخ التوافق والهدوء ليعوض بعضاً من انعكاسات الحرب السورية عليه في المجالات التي سبق ذكرها!

لم يفت الأوان ولكن الوقت ليس لصالح الأزمة المتفاقمة، فهل ينجح الرئيس عون بتجنيب لبنان مواجهة مع محيطه العربي هو اضعف من تحمل تبعاتها، ام ان المواجهة السعودية – الإيرانية ستكون على الساحة الأضعف، وهي لبنان اليوم وحتى إشعار آخر؟