حال الانتظار التي تعيشها المنطقة لِما سيكون عليه مصير الاتفاق النوَوي الموَقّع بين إيران والدوَل الغربية، لدى التصويت عليه في الكونغرس الأميركي الشهر المقبل، يواكبها اشتعالٌ ملحوظ في الحروب الإقليمية الدائرة، خصوصاً في اليمن وسوريا والعراق.
يقول قطبٌ سياسيّ إنّ التصعيد العسكري على الساحات اليمنية والسورية والعراقية يريد منه كلُّ فريق من أفرقاء النزاع على هذه الساحات تحقيقَ مكاسب ميدانية من شأنها تعزيز موقفه التفاوضي في التسويات المتوقّعة، سواءٌ في اليمن أو في سوريا أو في العراق، حيث إنّه لن تتوافر حلولٌ للأزمات في هذه الدوَل مهما طالت إلّا بالحوار، لأنّ إمكانية أيّ فريق لحَسم المعركة لمصلحتِه ضدّ الفريق الآخر ضئيلة جدّاً.
ولذلك يرى القطب أنّ الحراك الروسي على خطوط الأزمات الإقليمية عموماً، وعلى خطَّي الأزمتين السورية واليمنية خصوصاً، يكتسب أهمّية كبرى بالنسبة إلى مستقبل هذه الأزمات، وإنْ كانَ من الصعب توَقّع نتائج قريبة لهذا الحراك الذي يرَكّز على إحداث حَلحلة في الأزمتين اليمنية والسورية، وذلك من خلال التواصل الذي يجري بين موسكو وكلّ مِن الرياض وطهران ودمشق، فالهَمّ الروسي ينصَبّ على تحقيق تواصُل بين الرياض وطهران في موازاة التواصل الذي نجَحت موسكو في تأمينه على المستوى الأمني بين الرياض ودمشق عبر اللقاء الذي حصَل على الأراضي السعودية بين وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس جهاز الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك.
ذلك أنّ القيادة الروسية ومعها كثيرٌ مِن العواصم الكبرى والإقليمية تدرك أنّ التلاقي السعودي ـ الإيراني من شأنه تأمين المدخل المهمّ للشروع في إنتاج حلول لكلّ الأزمات الإقليمية.
ويَبدو أنّ المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ركّزَت على أهمّية حصول التواصل السعودي ـ الإيراني، خصوصاً أنّ طهران لا تنفكّ منذ بداية عهد الرئيس حسن روحاني عن الدعوة إلى حوارٍ وتلاقٍ بينها وبين دوَل الخليج العربي وعلى رأسِها المملكة العربية السعودية، وهذا الموقف الإيراني من شأنه تسهيلُ المسعى الروسي للتقريب بين الرياض وطهران.
وقيلَ في هذا السياق إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاتَحَ وليّ وليّ العهد السعودي في موسكو عندما التقاه قبل أسابيع في موضوع التحالف الإقليمي لمكافحة «داعش» وأخواتها منطلِقاً من أنّ التنظيمات المتطرّفة باتت تشَكّل خطراً على كلّ دوَل المنطقة بما فيها السعودية وصولاً إلى دوَل في الاتّحاد الروسي، وأنّ قيام مثلِ هذا التحالف لمكافحتها هو السَبيل الأنجح لتحقيق منطقة خالية مِن التنظيمات المتطرّفة والمتشَدّدة.
وقد أبدى وليّ وليّ العهد السعودي موقفاً مَرِناً في هذا المجال بَنى عليه الروس وتمكّنوا من تحقيق اللقاء بين الأمير بن سلمان والمملوك، عِلماً أنّ وليّ وليّ العهد السعودي شرَح لبوتين موقفَ المملكة من الأزمة السورية مؤكّداً أنّ حلّها يجب أن يلحَظ تنَحّي الرئيس السوري بشّار الأسد، ولكنّ الجانب الروسي ردَّ مؤكّداً أنّ الحلّ السوري ينبغي أن يكون في ظلّ وجود الأسد، وبعد إنجازها، وفي ضوء الإصلاحات التي تَدخل على النظام يمكن عندئذٍ للسوريين أن ينتخِبوا الشخص الذي يؤيّدونه رئيساً لبلادهم.
وفيما تَرَدَّد أنّ التواصلَ الأمني السعودي ـ السوري قد توَقّف في ضوء تصعيد «جيش الفتح» في الشمال السوري ضدّ قوّات النظام في إدلب وريفها، انعكسَ الأمر فشَلاً في المفاوضات التي كانت جاريةً بين المعنيين لإيجاد حلّ لبلدةِ الزبداني التي يُطبّق الجيش السوري وحزب الله الحصارَ على المسلّحين المتحصّنين فيها، وتُجمِع معطياتٌ توافرَت لدى أكثر مِن طرَف معنيّ أنّ المعركة تتّجه إلى الحَسم.
وتقول مصادر مواكبة للأوضاع هناك أنّ الحلّ الذي يُعمَل عليه للزبداني كان يقضي بتأمين انسحاب آمن للمسلحين إلى مناطق في الشمال السوري، مقابل فكّ الحصار عن بلدتَي الفوعة وكفريا في إدلب المحاصرتَين واللتين يَقطنهما نحو 30 ألف مواطن سوري غالبيتُهم الساحقة من الطائفة الشيعية.
وبعد انتهاء معركة الزبداني، تتوقّع المصادر نفسُها أن تستأنفَ قوات النظام وحزب الله المعركة في ما تبَقّى من جرود عرسال في يد «داعش» و»جبهة النصرة»، وذلك بعد السيطرة قبل أسابيع على جرود القلمون وصولاً إلى ما بعد وادي الجراجير، وبذلك تصبح الجرود على الحدود اللبنانية ـ السورية خاليةً مِن مسَلّحي التنظيمات المتطرّفة من البقاع الغربي صعوداً إلى جرود عرسال والقاع وصولاً إلى عكّار شمالاً.