التصعيد الاعلامي والسياسي المتبادل بين واشنطن وموسكو على خلفية تفعيل روسيا وتيرة دعمها لبقايا السلطة الأسدية، يحمل في ظاهره إمكانية زيادة تأزيم الوضع السوري، لكنه في المقابل، قد يكون حافزاً للدفع باتجاه الاسراع في ايجاد «حل» لذلك الوضع.
والحل المقصود، يبقى في اول المطاف وآخره، اسدال الستار على الفصل الأخير من رواية العهد الأسدي، وإعادة تثبيت الأولويات وفق سياق انسيابي طبيعي وليس مفتعلاً ولا مركّباً.. أي اعتبار الانتهاء من حكم الأسد هو الشرط الأول لنجاح الحرب على الارهاب الداعشي، أو في أقل الحسابات، لبدء السير على الطريق الصحيح المؤدي الى نجاح تلك الحرب.
لكن ما يحصل، حتى الآن، يثير الاستغراب، قبل اثارته لأي هاجس تخريبي أو تسووي.
والدواعي الى ذلك، مزدوجة: أولاً، تحوّل الموقف الروسي من دائرة الشغل الديبلوماسي الباحث عن «حل سياسي»، والذي اشتمل على اجتماعات مع المعارضة السورية ولقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولين عرب وأميركيين، الى دائرة تصعيدية معاكسة تماماً بحيث ترافق كلام فلاديمير بوتين (شخصياً) عن عدم تغيير موقف بلاده من الأسد مع الكشف عن تفعيل المدَد العسكري ونقله من نطاق الآلة الحربية الى العنصر البشري المباشر..
وثانياً: تكوّن انطباع عام يفيد أن واشنطن «فوجئت» بما تفعله موسكو في سوريا! وبدأت بعد انكشاف ذلك إعلامياً، في اتخاذ الخطوات المضادة الملائمة، والتي منها الطلب من الدول الحليفة حجب الأذونات اللازمة لمرور الطيران الحربي الروسي في أجوائها. ثم التدرج في اصدار المواقف السياسية المنبّهة والمحذّرة وصولاً الى طرح البيت الأبيض احتمال اشتعال «مواجهة» بين الروس والقوى الاقليمية والدولية المنخرطة في الحرب على «داعش»!
احتمالات الغفلة الأميركية تبقى واردة، مع صعوبة تصديق هذا الافتراض. لكن الانقلاب في الأداء الروسي يبقى الباب الأول للتأويل المفتوح على وسعه. وفي ذلك، تمكن ملاحظة بدء ذلك الانقلاب مباشرة، بعد زيارة قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني الجنرال قاسم سليماني لموسكو في آب الماضي، والحرص الشديد على اعلان تلك الزيارة!
وفي ذلك التأويل ايضاً، ان مسرَحَة الزيارة ثم تكبير الكلام عن التمسك بالأسد ثم تأكيد «التسريبات» عن المدَد البشري والعسكري.. ذلك كله يولّد انطباعاً بعدم «جدّية» تلك الخطوات! ويولّد في المقابل ما يؤكد الهلع الفعلي والحقيقي لدى طهران بداية ثم لدى موسكو، من حصول انهيار مفاجئ وشامل وسريع في صفوف بقايا السلطة الأسدية، والحاجة بالتالي، الى أي تحرك يوحي بالعكس!
وهذا في «التحليل الأخير» يفضي الى استبعاد فعلي لاحتمال تطور الاشتباك السياسي والاعلامي الى حدود الحرب المباشرة بين الروس والأميركيين، من أجل الأسد! مثلما يفضي إلى عدم استبعاد تطور الموقف الأميركي باتجاه التعجيل في اتخاذ بعض الخطوات الميدانية الكفيلة بإجبار البقايا الأسدية على الرضوخ والاذعان!
.. بهذا المعنى ربما، لا يعود غريباً أن يسقط ثاني أهم مطار حربي أسدي في منطقة أدلب، في عزّ الكلام عن تفعيل الدعم العسكري الروسي؟!