يُعرّف علم النفس، «الإسقاط» (projection)، بأنه حيلة دفاعية، يَنسب فيها الفرد عيوبه للآخرين ليُبرّئ نفسه ويُبعد عنه الشبهات. هكذا، وتماشياً مع المنطق الفرويدي (سيغموند فرويد)، الذي يصف «الإسقاط» بـ«دفاع الأنا»، حيث يتهرّب الفرد من عيوبه لما تسببه من ألم وما تثيره من مشاعر الذنب، خرج عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله ليرمي بعيوب حزبه على الآخرين!
في كلمة له خلال رعاية حفل تكريم الطلاب الناجحين في بلدة قانا، قال فضل الله ما حرفيّته: «إن التركيبة الطائفية والمذهبية هي واحدة من أكبر ابتلاءاتنا نحن في حزب الله، لأنه كلما أردنا أن نذهب الى البرلمان من أجل محاسبة مسؤول، تستنفر العصبيات الطائفية والمذهبية، وتبدأ المقامات العليا والوسطى بالتحريض». ها هو الحزب الذي دخل الحرب السورية الى جانب الأسد لاعتبارات مذهبية بحتة، يتحدّث عن المذهبية في لبنان. صحيح أن المعضلة اللبنانية الرئيسية هي في تركيبة نظامه السياسي القائم على المذهبية والطائفية، لكن كيف لحزبٍ عمل ويعمل على تهجير السوريين على أساس مذهبي أن ينتقد التجربة اللبنانية؟ كيف لحزب فاوض لترحيل أهالي الزبداني، واستبدالهم بأهالي الفوعة وكفريا، لتكريس دويلة مذهبية على طول الحدود، أن يتحدّث عن مذهبية النظام اللبناني؟ «حزب الله» لا يمكنه محاسبة المسؤولين لأن البعض يستنفر العصبيات الطائفية والمذهبية والسياسية؟ جميل! فليقل فضل الله للّبنانيين لماذا لم تستطع الدولة محاسبة قاتل النقيب الطيار الشهيد سامر حنا؟ لماذا لم تستطع الدولة محاسبة محمود الحايك الذي حاول اغتيال النائب بطرس حرب، والذي قيل لاحقاً إنه قضى في الحرب السورية؟ لماذا فشلت الدولة في محاسبة الجناة في حادثة بتدعي؟ لماذا فشلت في ملاحقة المجموعات المسلحة التي اعترضت موكب المطران خليل علوان والأب ايلي نصر؟ لماذا لا تجرؤ الدولة على ملاحقة عناصر سرايا المقاومة المسلحة في القرى والمدن؟ ولما العودة الى الماضي القريب؟ هل يعلم فضل الله أن عصابة مسلحة اقتحمت منذ يومين محلاً للمجوهرات في مدينة بعلبك وقتلت صاحبه؟ هل يعلم أن هذه الجريمة حدثت على بعد 25 متراً فقط من سرايا بعلبك ومكتب المحافظ؟ أين هم الجناة؟ ولأي اعتبارات لم يتم توقيفهم حتى اللحظة؟
وخلال «محاضرته» عن كيفية إصلاح ما أفسدته الطبقة السياسية في لبنان(!)، تحدّث فضل الله عن المشكلة الحقيقية التي يواجهها «حزب الله» مع «النظام الفاسد»، قائلاً: «إن الذين أمسكوا بالسلطة وأفسدوا الحياة السياسية والإدارية في لبنان، واعتمدوا مبدأ الرشوة بدل القانون، والمحسوبيات بدل الكفاءة، والمحاصصة الطائفية والمذهبية، هم الذين أوصلونا الى هذا المستوى من انعدام وجود القانون، أو عدم تطبيقه إذا وُجد في لبنان، والى هذه المرحلة التي يعشش فيها الفساد في كل دوائر الدولة».
صدّق أو لا تصدّق. «حزب الله» يتحدّث عن انعدام وجود القانون. نعم، هو نفسه الحزب الذي تخلّى عن الخجل من تقديس المتّهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هو نفسه الحزب الذي حمى ويحمي قطّاع الطرق في البقاع. هو نفسه الحزب الذي هلّل لحكم المحكمة العسكرية في قضية الإرهابي ميشال سماحة. هو نفسه الحزب الذي لولاه لما خرج العميل الإسرائيلي فايز كرم من السجن. هو نفسه الحزب الذي يُجلس مطلوبين للقضاء، أمثال شاكر البرجاوي، في الصف الأمامي في مهرجانات نصرالله الخطابية. هو نفسه الحزب الذي تستقبل شاشته التلفزيونية رفعت عيد، المطلوب بتهمة تفجيري مسجدَي «التقوى» و«السلام» في طرابلس.
«حزب الله» يتحدّث عن المحسوبيات والفساد في دوائر الدولة؟ كيف لو لم يكن هو نفسه الحزب الذي فرض اسم مدير جهاز أمن المطار بقوة السلاح؟ خرج يومها السيّد ليفرض اسماً، متحدّياً حكومة «طويلة عريضة»، اتّخذت قراراً بتعيين غيره. ألم يقل يومها، «إن أي اسم آخر سنتعامل معه على أنه «منتحل صفة»؟ كيف لسيّدٍ، لا يملك صفة رسمية، لا نائب ولا وزير، أن يخرج على شاشة عملاقة ليُبلغ الدولة بتعيين مدير لجهاز أمن المطار؟ أليست هذه من مظاهر السلطة والتسلّط والميليشيوية؟ كيف لو لم يكن هو الحزب نفسه الذي غالباً ما تدخل مواكبه بسيارات رباعية الدفع لا تحمل لوحات تسجيل الى المطار لتفرض بقوة الأمر الواقع ما تريد؟ كيف لو لم يكن هو الحزب نفسه الذي فرض على الدولة شبكة اتصالات خاصة بقوة السلاح؟
يفرض «حزب الله» بسلطة السلاح ما يريد. يسيطر على المرفأ والمطار والمرافق الحيوية في لبنان. يسيطر على الحكومة ويفرض وحليفه البرتقالي البنود وإلا فلا جلسات. يعطل انتخاب الرئيس ويفرض معادلاته وإلا لا انتخابات. يحمي قطّاع الطرق ويمنع الدولة من ملاحقتهم. يؤمّن حماية كاملة لكل الخارجين عن القانون من حلفائه. يسهّل محاكمات الخارجين عن القانون من محوره الممانع (إرهابي يُهرّب التفجيرات- عميل إسرائيلي). حزب يفرض بسلطة السلاح سلطته على كامل الأراضي اللبنانية، يقول ان لا علاقة له بالسلطة وبالفساد، فماذا لو لم يكن هو السلطة وفي السلطة؟ ربما حينها كان فرويد ليتمنى أن يعيش عصرنا ليخرج بنظريات جديدة تُفيد البشرية لعقود مقبلة.