Site icon IMLebanon

القطيعة – الصدمة بين السعودية وإيران

“قطع العلاقات مع ايران قرار أكبر من أن يكون مجرّد رد فعل سعودي غاضب على مهاجمة سفارة المملكة وقنصليتها في ايران بعد حملة عنيقة شنّها المسؤولون الايرانيون على السلطات السعودية إثر إعدام رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر مع 46 آخرين ينتمي معظمهم الى “القاعدة”، وقد دينوا قضائياً بارتكاب أعمال ارهابية وتخريبية متنوعة. فقرار القطيعة الذي نفّذته ودعمته دول عربية أخرى يعكس حال المواجهة الجدية بين السعودية وايران في ساحات اقليمية رئيسية عدة ويكرّس فشل الجهود الدولية والاقليمية لتحقيق نوع من التقارب بين الدولتين الكبيرتين يمكن أن يساعد على تسوية نزاعات مهمة في المنطقة. فلو كانت العلاقات طبيعية أو مرتكزة على مبادئ حسن الجوار والحد الأدنى من التقارب بين السعودية وإيران، لما كانت قضية الشيخ النمر تحوّلت أزمة حادة وقادت الى القطيعة. فالمشكلة أعمق من ذلك بكثير”.

هكذا اختصر لنا الوضع مسؤول أوروبي بارز في باريس وثيق الاطلاع على تطوّرات الأزمة السعودية – الإيرانية ذات الأبعاد والانعكاسات الاقليمية المهمّة وقال: “المشكلة الحقيقية ترتكز على المعادلة الأساسية الآتية القائمة بين البلدين: ايران تتحرّك وتتخذ قراراتها على أساس انها الدولة الكبرى التي تستطيع أن تمنح ذاتها الحق في أن تمارس دوراً مهيمناً على شؤون المنطقة وهي تريد استغلال توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى من أجل محاولة تعزيز دورها الاقليمي وتقوية نفوذ حلفائها ومصالحهم في الساحات المشتعلة أو الساخنة وأبرزها سوريا واليمن والعراق ولبنان، بقطع النظر عن انعكاسات سياساتها سلباً على المصالح المشروعة للأفرقاء الآخرين. في المقابل، تتحرّك السعودية على أساس استراتيجية احتواء وتطويق التمدّد الايراني في المنطقة ومواجهة السياسات الاقليمية الإيرانية التي ترى المملكة ودول أخرى عربية معتدلة انها تقوم على أساس التدخّل السلبي في الشؤون العربية وتشكّل تهديداً جدّياً للمصالح العربية المشروعة وللأمن القومي العربي. والسعودية تعترف مع الدول العربية الأخرى بأن ايران دولة مهمّة ولها مصالح مشروعة في المنطقة، لكنّها ترفض أن تتحقّق هذه المصالح على حساب المصالح الحيويّة المشروعة لدول ومكوّنات وفئات أخرى في المنطقة”.

وأوضح المسؤول الأوروبي “أن جهوداً أميركية وخليجيّة وعربية بذلت أخيراً من أجل إطلاق حوار جدّي بين السعودية وايران، لكن هذه الجهود لم تحقّق نتائج ملموسة بل أظهرت أن الخلاقات عميقة وأن تسويتها تتطلّب قرارات مهمّة وتغييرات جذرية، خصوصاً في السياسات الاقليمية لإيران. فالمعلومات التي تلقّتها باريس من جهات معنيّة مباشرة بجهود الوساطة أبرزت حقيقتين أساسيتين:

– الأولى: إن التيار الإصلاحي في إيران بقيادة الرئيس حسن روحاني يرغب في إنجاز مصالحة أو تقارب مع السعودية على أساس أن ذلك يساعد على حل عدد من المشاكل الاقليمية ويسهّل التفاهم مع الغرب. لكن المشكلة أن القرار الأساسي في ما يتعلق بالسياسة الاقليمية ليس في أيدي روحاني وفريقه بل في أيدي مرشد الجمهورية علي خامنئي والحرس الثوري والمتشدّدين المعارضين للانفتاح على السعودية والتقارب معها. وقد أظهرت الاتصالات ان ايران تريد مصالحة شكلية مع السعودية تحقّق فيها مصالحها من غير إحداث أي تغيير حقيقي أو جدّي في سياساتها الاقليمية.

– الثانية: إن السعودية تريد انجاز تقارب حقيقي مع ايران يتناول عمق المشكلات والأزمات وهي اقترحت عقد محادثات سعودية – ايرانية تستند إلى جدول أعمال محدّد وواضح يتناول مناقشة أزمات سوريا واليمن والعراق ولبنان وقضايا الخليج جدّياً من أجل إنجاز تفاهمات محدّدة تساعد على تسويتها وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. لكن الإيرانيين رفضوا الاستجابة لهذا الاقتراح، فوصلت الجهود الى طريق مسدود قبل انفجار الأزمة الراهنة”.

وخلص المسؤول الأوروبي إلى القول: “ماذا بعد القطيعة؟ الواقع، استناداً إلى معلوماتنا، أن السعودية تريد أن يحدث قرار قطع العلاقات هذا صدمة للقيادة الايرانية قد تدفعها الى إعادة النظر في سياستها تجاه المملكة وقد تجعلها أكثر استعداداً لإحداث تغييرات في سياستها الاقليمية. وجهود الوساطة الأميركية والروسية تهدف الى استكشاف هذا الاحتمال. في المقابل، نرى ان القيادة الايرانية لن تحقّق أي مكاسب إذا قرّرت تصعيد المواجهة مع السعودية في الساحات الاقليمية، إذ انها فشلت حتى الآن في تحقيق أي من أهدافها في سوريا واليمن والعراق ولبنان والمنطقة عموماً”.