خلاف المدير العام لجهاز أمن الدولة مع نائبه يشلّ المديرية. لم تنجح كل الجهود في التقريب بين الرجلين لينعقد مجلس القيادة المعطّل. يغيب قانون تنظيم المديرية، فيرى كلٌّ من الضابطين نفسه على حق. أما «العَتْرة» فعلى الضبّاط والعناصر
الحال في جهاز أمن الدولة من سيئ إلى أسوأ. ضبّاطه يعيشون تعطيلاً قسرياً في ظل الخلاف المستحكم بين المدير العام اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي: كل شيء تقريباً متوقّف، ما عدا «المبادرات الفردية» لبعض الضباط من أجل تحقيق إنجازٍ هنا أو هناك.
في حزيران ٢٠١٤، استضاف النائب ابراهيم كنعان في مكتبه لقاء مصالحة بين قرعة والطفيلي، في حضور مستشار الرئيس نبيه بري أحمد بعلبكي. انعقد اللقاء بعدما باتت سيرة المديرية على كل شفة ولسان، وبعدما استنجد كل من المدير ونائبه براعيه السياسي ــ الطائفي ليشارك في الصُلحة. يومها، حُلّت كل المسائل العالقة، واتّفق المدير ونائبه على تسيير الأمور بالتي هي أحسن. لكن الوفاق لم يدم، وعادت المشاكل إلى سابق عهدها. عُطّلت المديرية من جديد. حتى مرسوم تنظيم الجهاز الرقم ٢٦٦١، كأنّه لم يكن. لم يعد الخلاف محصوراً بين المدير ونائبه (ومن خلفه حركة أمل)، بل خاصم قرعة أيضاً رئيس الحكومة تمّام سلام «بعد تجاوز الأوّل اللياقات» في اجتماع جمع رئيس الحكومة وقرعة والطفيلي في السرايا. فوفقاً للقانون، يبتّ رئيس المجلس الأعلى للدفاع أو نائبه في أي خلاف بين المدير ونائبه، وعلى هذا الأساس استدعى سلام الرجلين محاولاً رأب الصدع. إلا أنه، بحسب المصادر، ما لبث رئيس الحكومة أن فضّ الاجتماع بعدما «نعت قرعة الطفيلي بالكاذب في حضور سلام، ما اعتبره الأخير تجاوزاً لحدود اللياقة». وخرج الخلاف بين رئيس الحكومة ومدير أمن الدولة إلى العلن بعدما رفض سلام دعوة قرعة إلى اجتماعات مجلس الأمن المركزي.
نعت قرعة الطفيلي بالكاذب في حضور سلام ما اعتبره الأخير تجاوزاً لحدود اللياقة
في ظل هذه الأجواء، ما الذي يجري اليوم في مديرية أمن الدولة اليوم؟
المصاريف السريّة لم تُصرف منذ سبعة أشهر. تشكيلات الضباط متوقّفة. ورغم أن إقرارها يحتاج الى اجتماع مجلس القيادة (المدير ونائبه)، إلا أن قرعة يستعيض عنها بقرارات فصل رغم أن هذه القرارات محددة بمدة معينة. كما يجري تداول أخبار عن لجوء المدير إلى قرارات فصل كيدية واستبعاد ضباط عن مراكز معينة بشكل مزاجي، وبالتالي «حرمان طائفة» من مواقع أساسية تُعد «من حصّتها» في المديرية. ولدى مواجهته بذلك، بحسب الراوي، يجيب بأن ذلك يُحل ضمن سلّة. إضافة الى ذلك، ورغم مرور أكثر من سنة على إجراء امتحانات تطوع في المديرية، لم تُفرج قيادة الجهاز عن نتائج آلاف المرشحين الذين لا يزالون ينتظرون مزاج المدير العام ونائبه لإعلان نتائج الناجحين دورة تطويع ٥٠٠ عنصر جديد. لماذا؟ «المدير حُرّ!! لا يُريد الإفراج عنها».
ضجيج المديرية أكبر منها. المؤسسة الأمنية التي لا يتجاوز عديدها ٢٥٠٠ عنصر وضابط، ليست بخير ولم تكن يوماً كذلك. الروايات تتعدد وتختلف بحسب ميول رواتها ومدى قربهم من المدير أو من نائبه. في قضية نتائج التطوّع، تُساق رواية مفادها أنّ «التعطيل يتحمّله المدير لاعتقاده بأنّه بذلك يضغط على نائبه كونه لا يعترف بمجلس القيادة!». وفي الرواية المقابلة، يُلقى باللوم على الطفيلي وعلى رغبته بـ «المحاصصة» في التطويع كما في المخصصات المالية. ولا يتوانى الطرفان عن استخدام الإعلام لإطلاق الاتهامات ضد بعضهما بعضاً والحطّ من كرامة كل منهما. وفي النتيجة يدفع العسكر ثمن الخلاف من ترقياتهم وبدلاتهم لأن كل من الضابطين يمتنع عن توقيع اي برقية يرى عليها توقيع الآخر! فيما لا تصرف وزارة المالية أي مبلغ للمديرية إن لم تكن البرقية تحمل توقيعَيهما معاً.
بعدما فشلت كل «الوصفات» في إيجاد العلاج الناجع لـ «مرض» المديرية، يبقى الرهان على الوقت وحده. إذ يُحال قرعة على التقاعد عام ٢٠١٧، بينما يسبقه الطفيلي الى ذلك في الشهر السادس من السنة الجارية. وفي انتظار ذلك، التعطيل وانعدام الانتاجية باقيان.