Site icon IMLebanon

«التطهير العرقي والطائفي» يفتح باب حروب لا تنتهي..

ما حدث خلال الأسبوع الجاري في شمال سوريا من تعمّد «قوات حماية الشعب الكردي» تهجير العرب السوريين والتركمان من المناطق حيث السيطرة الكردية، سلط الضوء على النتائج الخطيرة لظاهرة «التطهير العرقي» على وحدة الشعب السوري ومستقبله وعلى وحدة الأراضي السورية.

فمجازر التطهير العرقي أخذت في الظهور مع بداية الصراع المسلح في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات، ويذكر أن تظاهرات الشعب السوري المعادية للنظام استمرت في رفع شعار «الشعب السوري واحد» لأكثر من سبعة أشهر، فالناشطون في التظاهرات أدركوا منذ الأيام الأولى للانتفاضة أن النظام الذي حاول لمدة أربعين عاماً التستر بالشعارات القومية والوطنية، وهو نظام طائفي ومذهبي بامتياز، سيسعى إلى تحريك المشاعر الطائفية والمذهبية، وبالتالي استخدام «ورقة» الأقليات، وذلك بهدف حمايته كنظام من غضب الشعب السوري، الذي عانى طيلة أربعين عاماً من التمييز «الطائفي والمذهبي»، في جميع مؤسسات الدولة وغيرها من جوانب الحياة.

وأثناء الصراع المسلح لم يتوان النظام عن اللجوء إلى تحريك «مخاوف» الأقليات الطائفية والعرقية من الأغلبية، وهو لم يترك وسيلة قتل إلا واستخدمها لقتل أكبر عدد ممكن من الأغلبية، من السلاح الكيماوي إلى الصواريخ والطيران والبراميل المتفجرة، بهدف قمعهم وإسكاتهم وإرهابهم.

فعمل على استقطاب جميع المنتمين للأقليات الدينية والطائفية والعرقية، وبعد «اختراع» «داعش» التي خطط لها أن تقوم بكل ما هو خارج عن أدوات الصراع المألوف من أعمال إرهابية، فالأعمال التي قامت بها «داعش» ساعدت نظام بشار الأسد إلى درجة كبيرة في خططه لاستقطاب الاقليات على قاعدة «تحالف الاقليات»، لذلك في حال مقارنة المجازر التي ارتكبت بحق السوريين الذين ينتمون للأغلبية (المسلمين السنّة)، بما تعرّضت له الأقليات (إبّان الثورة) لتبين لنا الهوة الشاسعة بين الحالتين مع العلم أن كل نوع من المجازر مدان ومرفوض مهما يكن حجمه.

«الشبكة السورية لحقوق الانسان» التي يرأسها الإعلامي رامي عبدالرحمن والمتواجدة في لندن، وثقت في دراسة مفصلة أصدرتها منذ أيام مقتل نحو 3400 مواطن سوري في مجازر «تطهير طائفي وعرقي» (تصفيات مباشرة غير المجازر التي قتل عبرها عشرات الآلاف بالطيران وغيره..) حصلت في سوريا منذ اندلاع الثورة في آذار 2011، قامت الميليشيات التابعة للنظام والمتحالفة معه بقتل 3074 منهم، في مقابل قيام تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» و«قوات حماية الشعب الكردي» مجتمعة بقتل 326 مواطناً سورياً (الدراسة قبل حوادث تل الابيض الاخيرة).

وأظهرت الدراسة مدى التباين الكبير بين حجم المجازر (على أساس طائفي) التي ارتكبتها القوات التابعة للنظام السوري، وتلك التي ارتكبتها باقي التنظيمات السورية، إذ ارتكبت ميليشيا النظام 49 مجزرة تسببت بمقتل 3074 مواطناً بينهم 526 طفلاً و471 امرأة، بينما ارتكبت المجموعات الأخرى المناوئة للنظام (داعش والنصرة) 7 مجازر تسببت بمقتل 236 مواطناً سورياً بينهم 39 طفلاً و87 سيّدة، في الوقت الذي ارتكبت فيه «قوات حماية الشعب الكردي» 3 مجازر ذات طابع تطهير عرقي ضد العرب من سكان المناطق التي تسيطر عليها (غير ما حدث في تل الابيض) في محافظة الحسكة تسببت بمقتل 91 مواطناً بينهم 17 طفلاً و7 سيدات.

يصعب حصر وتعداد النتائج الخطيرة المترتبة على قيام النظام أو الجماعات بارتكاب مجازر وعمليات تطهير طائفي أو مذهبي أو عرقي، فهذا يعني هدم كلي لتعايش الجماعات الطائفية والمذهبية والعرقية مع بعضها في بلد واحد. ومن قال أن الجماعات من توجه مذهبي أو طائفي أو عرقي من لون واحد يمكن أن تتعايش مع بعضها بأمن وسلام..!!

ولكن تبين من خلال الوقائع أن بعض القيادات في أحيان كثيرة تلجأ إلى تحريك المشاعر والمخاوف الطائفية والمذهبية لاستقطاب هذه الجماعات لتستخدمها لصالح مشاريعها السياسية. كما أن هذا النهج من العمل عادة ما يلحق الظلم بجماعات بريئة، فهي تتعرض للقتل لمجرد انتمائها لمذهب أو طائفة معينة أو عرق معين.

النظام استخدم هذا النهج الخطير، وهو تعبير واضح عن إفلاسه، والجماعات الكردية السياسية لجأت إلى تطهير عرقي في مناطقها خدمة لمصالحها السياسية، وهذا يعني فتح باب حروب لا تنتهي.. وهذه أسوأ النتائج.