إنّ الحرب التخريبية والعدوانية تتكامل وتتواصل على لبنان، وتضرب كل القطاعات الإنتاجية واحدة تلو الأخرى، من دون أي بصيص نور لحل أو اتفاق مستدام، لكن في ظل هذا الغموض المزمن والمتشائم، فوجئنا مؤخّراً بارتفاع أسعار اليوروبوند، في الأسواق الدولية، فما تفسير أسباب هذا الارتفاع غير النمطي؟
شهدت الأسواق الدولية ارتفاعاً مفاجئاً لأسعار اليوروبوند اللبنانية التي انهارت، ومن ثم جُمّدت منذ أكثر من 5 سنوات، فكان هذا الارتفاع من 6,5 سنتات، إلى 8,75 سنتات، أي زيادة بنسبة 35% في أيام عدة، وكان السبب الأساسي لهذه الزيادة شراء كميات من هذه اليوروبوند من مصرفَين دوليَّين هما: «غولدن ساكس» وHSBC البريطاني.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه، ما هو رهان هؤلاء المستثمرين الدوليِّين وتوقعاتهم في هذا الاستثمار الخطر في جو من الحرب المدمّرة؟
التفسير المنطقي، هو أنّ هناك العديد من الخبراء الإقتصاديِّين والماليِّين والنقديِّين مقتنعون بأنّ من وراء العاصفة قد يبزغ النور، ومن داخل هذا النفق الغامض هناك آمال للخروج منه، وإعادة بناء لبنان كمنصّة إقليمية، على المديَين المتوسط والطويل.
لا شك في أنّ هناك فرصة ذهبية، لإعادة بناء ليس فقط ما هُدّم، لكن خصوصاً إعادة بناء الدولة المفكّكة والفاسدة التي دمّرت هي بنفسها مؤسساتها منذ أعوام.
هناك فرصة ذهبية من بَعد الإتفاق الإقليمي لا بل الدولي بأن يتوحّد اللبنانيّون على رؤية واحدة وجامعة وإعادة بناء لبنان المستقل والحقيقي، عوضاً عن منصّة أو ورقة تفاوض.
فهؤلاء المستثمرون الدوليّون يترقّبون ويلاحقون كل التغيّرات في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، ويرون أنّ هناك بصيص أمل، لإعادة الهيكلة السياسية والداخلية، ويُراهنون على أنّه إذا طُبّقت قرارات الأمم المتحدة وتسلّم الجيش اللبناني البلاد والحدود، وانتُخب رئيس للجمهورية وقامت حكومة فعّالة، سيُعاد بناء لبنان على أسُس متينة، وسيُعاد الإنماء فيه بطريقة مدهشة.
فالرهان الذي يعمل عليه هؤلاء المستثمرون الذين يتراكضون نحو شراء اليوروبوند بأسعار متدنّية وبخسة، هو أنّه من الصعب أن تنهار أكثر، لكن هناك فرصة بأن ترتفع من جديد عندما يصمت المدفع، وتتوقف الغارات وتبدأ إعادة الإستثمار للبناء مجدّداً مثلما حصل في التسعينات.
من جهة أخرى، إنّ هؤلاء المستثمرين يعلمون تماماً أنّه بعد 5 سنوات من التعثُّر المالي وعدم دفع هذه السندات، يُمكن أن يتحرّك حاملوها في آذار 2025 بحسب القانون الدولي، وحتى إذا الدولة اللبنانية كانت عاجزة عن دفعها، لربما ستمدّ يد العون بعض المنظمات الدولية. فالرهان والتوقُّعات لهذه المصارف الدولية، هو أنّه حتى لو أنّ المخاطر عالية، فالعائد يُمكن أن يكون مرتفعاً.
في المحصّلة، لا يزال لبنان تحت تأثير نيران التدمير والتخريب، لكنّنا على مفترق طرق، إمّا تتكامل هذه الحرب لأشهر أو حتى لأعوام، وهي بالحقيقة حرب الآخرين على أرضنا، وكل الضحايا والجرحى والتخريب ورقة تفاوض للقوى الإقليمية والدولية، وإمّا أن نتوحّد وراء رؤية واحدة ومستقلة واحترام الدستور والمواعيد الدستورية، ويتسلّم الأمن والدفاع فقط الجيش اللبناني، ويتسلّم التفاوض حصرياً رئيس جمهورية وحكومة فعّالة في أسرع وقت ممكن.
نتمنّى أن تكون هذه الحرب الأخيرة، لأنّ ليس لدينا بعدئذ المرونة لإعادة الإعمار، لكنّ العالم والمستثمرين ينظرون إلى هذه الأرض الخصبة بدقّة، ويُراهنون على بصيص الأمل لنا وللبنان للمرحلة المقبلة.