Site icon IMLebanon

لبنان يفوّت الفرصة: أوروبا منشغلة بالإرهاب والاقتصاد

 

فوّت لبنان فرصة الاهتمام الفرنسي والأوروبي بعد انفجار المرفأ، للسير قدماً بمشروع إصلاحات والحصول على مساعدات تنقذه من استمرار الانهيار الاقتصادي والمالي. فالخضات الأمنية والاقتصادية التي تعيشها أوروبا ستكون عبئاً إضافياً يواجهها في المجالين الأمني والاقتصادي، انطلاقاً من جملة اعتبارات.

 

لم تكد أوروبا تخرج من تأثيرات الموجة الاولى لكورونا، والانعكاسات الاقتصادية السلبية، حتى بدأت تواجه موجة ثانية أشد فتكاً، الأمر الذي جعل دولاً حذرة عادة في الذهاب الى الخيار الأقسى كالإقفال، تنتهج النسق ذاته، كألمانيا، ومن ثم فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، والحبل على الجرار. هذه التدابير وإن أخذت في الاعتبار تدابير عملانية واقتصادية مختلفة عن السابق، إلا أنها ستجعل هذه الدول في مواجهة أزمات اقتصادية متجددة، ما يعني تلقائياً شدّ أحزمتها وترشيد الإنفاق في المؤتمرات الدولية لمساعدة دول، ومنها لبنان، وخصوصاً أن ما ظهر أمام صندوق النقد ومموّليه والعواصم التي سارعت الى تقديم العون بعد انفجار الرابع من آب، هو أن لبنان لا يتمتع بقدر عال من المسؤولية تجاه التزاماته المحلية والدولية. ولا تزال تعكس ذلك تقارير سياسية وإعلامية متخصصة، من خلال رفع لهجتها ضد استهتار المسؤولين اللبنانيين.

وتزامناً مع موجة الوباء الثانية، بدأت موجة الإرهاب تضرب أوروبا، بدءاً من فرنسا، وصولاً الى النمسا، مع استنفار دول أوروبية أخرى. وهذا الاستنفار يمسّ لبنان بطريقة أو بأخرى. فرنسياً، يمثّل انشغال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذه الموجة الإرهابية، ولا سيما بعد ردود الفعل في بعض الدول الاسلامية ضده شخصياً، بدءاً من تركيا، همّاً أساسياً، يغلب على كل ما عداه. ولأن العد العكسي للانتخابات الرئاسية الفرنسية بدأ، لا يمكن ماكرون، بحسب أحد الخبراء في الشأن الفرنسي، القيام بأي خطوة خاطئة، لا أوروبياً ولا متوسطياً، ما من شأنه أن يفرمل كثيراً من المبادارت التي يخشى عليها أن تتعثر، علماً بأن في باريس كلام اليوم عن إعادة ربط العلاقات وتحسينها مع واشنطن، بعد الانتخابات الاميركية، وتفعيلها، ما ينعكس على ملفات عديدة، من بينها الشرق الأوسط ولبنان.

لم يبدأ الانشغال الفرنسي – الأوروبي لحظة مقتل المدرس الفرنسي صاموئيل باتي أو هجوم نيس، بل من مجموعة عوامل متوسطية وإقليمية ودولية: إعادة تحويل آيا صوفيا الى مسجد في تموز الماضي، الصراع الأرميني الآذربيجاني ودور تركيا الى جانب آذربيجان (شهدت فرنسا مواجهات بين مجموعات تركية ضد متظاهرين أرمن قبل أيام)، وتوتيرها الأجواء مع اليونان وقبرص في شكل شبه يومي، جواً وبحراً وبراً، وآخرها فوز حليف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالرئاسة في الجزء الشمالي من قبرص التي سيزورها إردوغان قريباً، ودور أنقره في ليبيا الذي تعرض لهجوم أوروبي حاد، قابلته بتصعيد لهجتها ضد أوروبا. الى جانب كل ذلك، صعّدت تركيا من استغلالها قضية النازحين السوريين منذ انفجارها، لابتزاز دول أوروبا كافة لمدّها بالأموال اللازمة لمنع تدفقهم اليها. وحين كانت دول الاتحاد تقفل «حنفية» الأموال، تسارع تركيا الى فتح بواباتها لدفع النازحين إليها. منذ سبع سنوات، وتركيا تزيد من ضغطها على أوروبا التي جمّدت، عملياً، مفاوضات انضمام أنقرة اليها، من خلال جمعيات وحضور مكثف في أوساط المهاجرين، كألمانيا وبلجيكا وفرنسا. والى جانب تظهير دول أوروبية الدور التركي، بدأ أخيراً الحديث عن تصاعد النفوذ القطري بقوة. بدأ الفرنسيون تحديداً يتحدثون عن حجم الاستثمارات القطرية في مؤسسات رياضية وثقافية وتجارية، وعن بيع جزء من تاريخهم لقطر، تزامناً مع تلميحات عن دورها وتركيا في تمويل جمعيات أقرب الى خط الإخوان المسلمين، إضافة الى رصد استخباري لتمويل قطري لجمعيات قد تكون على طريق الإقفال في فرنسا نتيجة تقاطع ما مع أفكار أصولية. وسلّطت ألمانيا الضوء على استضافة تركيا مهاجم فيينا مع ألمانيين آخرين، علماً بأن فيينا سبق أن طردت نحو ستين من الأئمة الأتراك، وأقفلت مساجد تموّلها تركيا. وتبدو لافتة، وسط ذلك، مبادرة ماكرون بنفسه الى زيارة السفارة النمساوية لتوقيع سجل التعازي، كإطار أوروبي تضامني في وجه الارهاب، وخصوصاً أن عباراته ضد هذا النوع من الإسلام الأصولي بدأت تستخدم في خطب أوروبية، مع دعوات إلى توحيد الجهود ضده، في موازاة الامتناع عن توجيه الأنظار نحو الخليج، بل العكس، إظهار رسائل إدانة الدول الخليجية لأعمال الإرهاب في أوروبا.

كل هذه الوقائع تنعكس على لبنان؛ فعدا عن الانشغال السياسي بوضع لبنان، هناك انشغال أمني محلي ودولي بمتابعة استفاقة عناصر إسلاميين متطرفين، ولا سيما من جيل يافع. ويمكن القول إن الكلام عاد ليأخذ مداه محلياً في الأيام الماضية، في إطار التحوّط مسبّقاً من أي تنشيط لخلايا نائمة، قد تستفيد من ظروف الانشغال المحلي المتعدد الوجوه كي تضرب فجأة. وتزامن ذلك مع تلميحات إلى حضور تركي في الساحة الأمنية، واحتمال تصعيد هذا الدور ربطاً ببعض المجموعات التي تستفيد منه، وهذا الكلام قيل في أكثر من اجتماع أمني. كذلك الأمر بالنسبة الى الهاجس الدائم من تسرّب أي عناصر متطرفين إلى أوروبا من لبنان. ومع أن مختلف الفئات اللبنانية تفادت تضخيم حجم التضامن مع فرنسا أو فيينا، منعاً لأيّ استفزازات، وهذا ما ظهر حتى في ردود الفعل على تظاهرة حزب التحرير، تبقى العبرة في أن يكون حجم الاستعداد الأمني، لمواجهة أي خلايا نائمة، مختلفاً تماماً عن الجو السياسي المنشغل بتوزيع الحصص والحقائب.