صدمة المجزرة الارهابية في باريس دفعت فرنسا الى العسكرة والاتحاد الأوروبي الى أوسع استنفار أمني. وهي تكبر مع الوقت بدل أن تصغر، وتزداد تردداتها في كل أنحاء القارة. ولا يبدل في أجواء التخوف والحذر كون التحذيرات من عمليات ارهابية تكررت يومياً في معظم العواصم منذ سنوات بما كان يجب أن يعطي الانطباع ان العين الساهرة قادرة على رؤية كل شيء، وبالتالي على تطمين الناس. والسؤال هو: الى أي حد تستطيع فرنسا، ومعها أوروبا، ضمان التوازن بين أشد الاجراءات الأمنية الاحترازية وبين الحفاظ على الحريات وحماية الحياة الخاصة؟ والى أية درجة تساهم العسكرة في الحد من خطر الارهاب، مع معرفة الجميع ان كل اجهزة الأمن والجيوش عاجزة عن منع انتحاري واحد من تفجير نفسه في موقع ما؟
الرئيس فرنسوا هولاند ورئيس حكومته فالس يطمئنان الفرنسيين الذين انتقدوا التضييق الأميركي على الحريات الى أن الاجراءات الأمنية لن تصل الى ما وصلت اليه الاجراءات الاميركية بعد زلزال ١١ أيلول ٢٠٠١، وإن اعتبر كثيرون أن مجزرة شارلي ايبدو هي ١١ أيلول فرنسي. فلا قانون على طريقة قانون الوطنية الذي اصدره الكونغرس الاميركي. ولا مراقبة لكل الاتصالات الهاتفية وعبر الانترنت بالشمولية المتبعة في اميركا. وكل شيء لحماية قيم الجمهورية.
ومن الصعب معرفة مدى اطمئنان الفرنسيين الى تطمينات هولاند الذي وصفته النيويورك تايمس بأنه رئيس ضعيف تجاوز كل الرؤساء الفرنسيين في سجل انخفاض الشعبية. لكن من السهل رؤية فرنسا تسير، بقوة الأشياء، ومعها أوروبا على خطى أميركا، فالاجراءات الأمنية المدفوعة بقوة الخوف لها دينامية خاصة، بصرف النظر عن نوعية القرار السياسي. ولا أحد ينشر نحو مئة ألف عسكري ورجل أمن في فرنسا بينهم عشرة آلاف جندي في باريس، ثم يتركهم من دون معلومات استخبارية دقيقة ويومية كأنهم سياح. ولا معلومات استخبارية دقيقة من دون تكثيف عمل الأجهزة عبر كل أنواع المراقبة. ولا تحقيق العدالة في حق ارهابيين من دون قوانين جديدة تتجاوز قانون العقوبات.
فضلاً عن ان التنسيق في مجال الأمن يشمل فرنسا وأوروبا وأميركا وبلداناً في الشرق الأوسط. والتزام الحماية الكاملة لكل مكونات المجتمع في أوروبا يتطلب جهوداً وسياسات تتجاوز الدعوات الى احترام هذه المكونات، وسط تزايد التطرف الأوروبي اليميني تحت عنوان الوطنية وتنامي الأصولية باسم الاسلام حتى في أوروبا. وفضلاً أيضاً عن ان التحدي الكبير لأميركا وأوروبا في الحرب على الارهاب هو في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبلدان أخرى في المنطقة.
ومن الوهم الحديث عن حرب نظيفة ضد الارهاب تدار في معزل عن التضييق على الحريات.