IMLebanon

صحّة النظام المصرفي الأوروبي موضع تساؤلات

إرتفعت التساؤلات بعد فشل الاستفتاء على الدستور الإيطالي قرابة نهاية العام الماضي رغم أنّ ثمّة معلّقين متفائلون بتحسّن الاقتصاد في منطقة اليورو. إنما الأصح هو أنّ هناك مخاوف من احتمال تجربة أزمة مالية أخرى ما من شإنه أن يؤثر في الاقتصاد العالمي.

تتركّز التساؤلات حالياً، على مسألة صحة النظام المصرفي في اوروبا لا سيما إذا ما اعتبرنا حجم الاقتصاد الاوروبي وتشعّبات العديد من مصارفه ممّا يعني أنّ أيّ أزمة تحصل قد تؤدّي الى أزمة اقتصادية عالمية. وعلى ما يبدو البنوك الإيطالية هي وسط هذه الأزمة.

وهذه المشكلات ليست مقتصرة على ايطاليا إنما تتخطاها الى اكبر اقتصاد في المنطقة وهو الاقتصاد الألماني الذي يهدّد ايضاً بأزمة مماثلة لا سيما وأنّ الدويتش بنك صُنِّف العام الماضي من قبل صندوق النقد الدولي بأنه الأخطر عالمياً- فهو لا يتمتع فقط بميزانية تقدر بنسبة ٥٠ بالمئة من قيمة الناتج المحلّي الاجمالي في ألمانيا وايضاً لديه ما يقارب ٤٢ تريليون دولار من المشتقات العالية الخطورة أي حوالى ١٠ اضعاف قيمة الناتج المحلي الاجمالي في المانيا.

وبسبب حجمه، وإذا ما تعثّر وفشل فإنّ النتائج ستكون هائلة على الصعيدَين الإقليمي والعالمي- وهذا ليس من شأنه أن يؤثر تأثيراً شديداً على المانيا لكنه قد يضرب مصارف اوروبية اخرى مما يسرّع في حدوث ازمة مصرفية من شأنها أن تتسبّب في مزيد من الضرر في منطقة اليورو واقتصادها الهش.

وقد يكون الفارق بين أزمة ٢٠٠٨ وأزمة ٢٠١٧ أنه في أزمة ٢٠٠٨ لم يكن لأحد يقين بأنّ الأضرار في سوق الإسكان كبيرة كذلك لم يستطيع احد من تحديد مدى انكسار المصارف وأنّ الاقتصاد العالمي سوف ينهار تحت كلّ هذه الضغوط. إنما انهيار Bear Stearns وردّة فعل السوق أظهرا للعلن أنّ الامور ليست على ما يرام وتجاهل هذا التحذير دفع بعد ذلك بشهرين الى انهيار كيان ليمان برازورز ممّا أدّى الى فترة تقلّبات تسبّبت بالأزمة المالية العالمية وما زلنا لغاية الآن نتلقّى تردداتها- والخطر اليوم أنه قد يكون لدينا شيء ما شبيهاً بـBear Stearns انما المستثمرون يتجاهلون الأمر.

ولا عجب أنّ دول الاتحاد الأوروبي في معظمها محاصَرة في بيئة من النموّ السلبي وكميات هائلة من الديون وبطالة مرتفعة حسب ما كتب مايتولين من Market watch: «الاقتصاد الإيطالي هو اليوم أصغر ممّا كان عليه في العام ٢٠٠٠ واسبانيا قريبة جداً من الإفلاس وقد شهدت ارتفاع البطالة الى ٢٠ بالمئة من القوة العاملة وفرنسا محشورة في دوامة الركود وتحاول جاهدة المحافَظة على قدرتها التنافسية مع ألمانيا».

ولكن تبقى المشكلة الكبرى القطاع المالي. واذا ما أردنا المقارنة بين ليمان برازرز ودويتش بنك من حيث نسبة الديون مقارنةً برأس المال نرى أنّ البنك الالماني نسبته ٤٠ ضعفاً (يعني البنك الالماني لديه ٤٠ مرة اكثر ديون مقارنةً برأس المال) بينما ليمان برازرز وعند حدوث الأزمة المالية كانت لديه ديون بنسبة ٣١ بالمئة فقط. كذلك الازمة المصرفية الأوروبية تمتد ايضاً لتشمل البنوك الصغيرة. وفي إيطاليا ١٧ بالمئة من القروض المصرفية سيّئة بمبلغ اجمالي قدره ٣٦٠ مليار دولار.

وخلال الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨ فقط ٥ بالمئة من الديون المصرفية الاميركية كانت سيّئة. وبنك Uni Credit في إيطاليا فقد ٧٠ بالمئة من قيمته كذلك Royal Bank of Scotland تراجع بأكثر من ٥٥ بالمئة وكذلك وضعية Credit Suisse. دويتش بنك وباركليز تراجعت اسهمهما بنسبة ٥٠ بالمئة ممّا يعني أنه وبالمطلق الصورة الإجمالية أخطر بكثير ممّا حدث في العام ٢٠٠٨.

ورغم أنّ البنك الاوروبي ورئيسه ماريو دراغي مستعدان لكلّ الاحتمالات بعد استفتاء الـ Brexit ومع كلّ الخيارات على الطاولة وضمنها رفع يلين لأسعار الفوائد، غير أنّ هنالك حالة واحدة وقد تكون كبيرة جداً ولن يستطيع فيها البنك المركزي الأوروبي التدخل وهو الشق السياسي والاستطلاعات المناهِضة للاتحاد الاوروبي في دول مثل المانيا واسبانيا وهولندا (حوالى ٥٠ بالمئة من سكانها معارضة) ونخصّ بالذكر الفرنسيين الذين لـ ٦ بالمئة منهم نظرة سلبية للإتحاد، وأيّ خلل قد يمتدّ سريعاً الى المصارف وسيؤدّي ذلك الى انخفاض في الثقة في عموم أوروبا.

بشهادة الجميع، نفّذت جميع ادوات حلّ الازمة الاوروبية لا سيما سياسات ZIRP وQE و NIRP ممّا يجعل القارّة أسوأ بكثير مما كانت عليه في العام ٢٠٠٨ ولن يكون الآن كما قبل.

وإنّ أيّ سياسة مالية ونقدية جديدة تساعد على حلّ الانهيار وفي حال حدث واميركا غير قادرة، ان لم نقل إنها ليست مكترثة لهذه الوضعية وتحاول الخروج تدريجاً واستعادة عافيتها ورفع فوائدها والتوجه نحو سياسات ضريبية قد تساعد الى حدّ ما في إعادة تنشيط الحركة الإقتصادية.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ثمّ ماذا؟ وما هي افضل الوسائل لمنع أزمة مصرفية اوروبية محتمَلة وقد يكون وحسب بعض المحلّلين الاقتصاديين الاستثمار في الذهب والمعادن الثمينة كونها أصولاً آمنة ومرتبطة ارتباطًا سلبياً مع الاسهم وتتوقى المخاطر الجغرافية، السياسية والاقتصادية.

هذا وبالمطلق صورة الاقتصاد قاتمة في منطقة اليورو رغم بيانات الربع الاخير في العام والذي أظهر ارتفاعات مستمرة في الاقتصاد، مع الخطوات المتَخذة لتنظيف القطاع المصرفي والتي يمكن أن تساعد في حلّ بعض المسائل الهيكلية.

أما المشهد الاجمالي فغير مريح بالمطلق لا سيما التباطؤ في الصين والتي تشكل ربع صادرات اوروبا والمخاوف المتزايدة من ازمة الديون في اليونان والتي هي على وشك الدخول في مرحلة جديدة متعلّقة حسب أحد اكبر وكالات التصنيف ما يجعل السنة المقبلة حافلة بالمخاطر إذا لم يتواجد حلّ يضمن إعادة هيكلة المصارف والديون في ظلّ أخبار عن بدء تخفيف عملية التيسير الكمّي في آذار المقبل والتي بالمطلق لن تاتي بالنتائج المرجوّة.