تحوّل الحراك الرئاسي الدائر في لبنان إلى مادة دسمة للنقاش في الكواليس الديبلوماسية. أسئلة كثيرة تطرح حول مصير الرئاسة، وأخرى حول جدية المساعي المبذولة حاليا لتحريك الركود السياسي. في المحصلة، يبدو أن أكثر المتحمسين لمعرفة حقيقة ما يجري لبنانيا سفارات الدول الأوروبية تليها بعض السفارات العربية وبطبيعة الحال الأمم المتحدة.
لا حضور فاعلا لدوائر القرار الغربية، وخصوصا الأوروبية، في الاستحقاق الرئاسي، وبرغم ذلك، يسارع ديبلوماسيون أوروبيون إلى التذكير بدعوتهم المستمرة منذ اللحظة الأولى للفراغ الرئاسي على تغليب الاعتبارات والمصالح اللبنانية على ما عداها، مع التشديد على أن الكلمة الفصل تبقى للبنانيين أولا وأخيرا. لكن في الوقت نفسه، يبدو أن هؤلاء غير مقتنعين بالسيناريوهات الرئاسية الحالية، لذلك يذهب أحدهم أبعد من ذلك، بسؤاله حول إمكان تحقيق تسوية رئاسية في لبنان، خصوصا في ظل تصاعد التوتر في المنطقة بين الرياض وطهران من جهة، وبين الإدارة الأميركية وروسيا حول الملف السوري من جهة أخرى.
تقول أوساط ديبلوماسية أوروبية في بيروت إن «الأوضاع في المنطقة تأخذ منحى تصعيديا، تحديدا في سوريا»، وعليه يبدو مستبعدا «ان يتم الاتفاق بين الأطراف اللبنانيين على رئيس يعتبر منحازا لفريق من دون آخر». هنا تبرز الإشكالية الضمنية للموقف الأوروبي والأممي من التسوية الرئاسية في لبنان. فالجميع يؤكد في العلن أن الأولوية التامة هي لانتخاب رئيس للجمهورية أيا كان، وبالتالي انتظام عمل المؤسسات الدستورية بما يحمي لبنان من تداعيات العواصف في سوريا والتي قد يدفع اشتدادها بالمزيد من النازحين السوريين إلى لبنان.
يعلم الأوروبيون، كما باقي الدول والهيئات الدولية، أن أي تدفق جديد للنازحين السوريين الى لبنان، ستكون له تداعيات سياسية وأمنية، لذلك يحاولون طمأنة اللبنانيين من خلال تأكيدهم بأن الدول الأوروبية تسعى إلى حث دول جوار سوريا على استيعاب المزيد من اللاجئين. لكنها تدرك أيضا أنها لا تملك القدرة الفعلية على إجبار تركيا أو الأردن أو العراق على استقبال المزيد من اللاجئين.
من هنا تتركز الأسئلة الديبلوماسية حول إمكان الاتيان برئيس لبناني يعدّل السياسة الرسمية تجاه موضوع اللاجئين السوريين خصوصا أن لبنان يعد الوجهة الأسهل بالنسبة للنازحين إذا ما أرادوا الهرب من المعارك السورية، بالمقارنة مع تركيا والأردن!
وبالتوازي مع موضوع اللاجئين، ثمة أسئلة تطرح بجدية عن امكان إعادة التواصل الرسمي والعلني بين الحكومتين اللبنانية والسورية لتأمين عودة بعض النازحين السوريين من إلى مناطق في سوريا بعيدة عن الاشتباكات. لكن مصدرا ديبلوماسيا أوروبيا في بيروت يؤكد أن اي تعديل في سياسة الدولة اللبنانية تجاه قضية النازحين «سيصطدم بمعارضة داخلية قوية لأي حوار مباشر مع النظام السوري من جهة وبمعارضة خارجية من جهة أخرى، كذلك ستكون له انعكاسات سلبية على الساحة اللبنانية الداخلية». وهنا يلفت المصدر الانتباه إلى»أن هذا ليس في مصلحة أي رئيس أو عهد جديد».
اللافت للانتباه أن المصدر نفسه يكرر المكرر وهو التعبير عن «احترام المجتمع الدولي لرحابة صدر اللبنانيين وحسّهم الانساني في استقبال هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين»، مشددا على «ان لبنان يحظى في هذا المجال بتأييد الأمم المتحدة التي تبذل الجهود لمساعدته على احتواء الأزمة، من دون المسّ بحقوق اللبنانيين».
يبدو أن الأوروبيين يقاربون الملف الرئاسي في لبنان من زاوية اللاجئين، فبلادهم هي الأكثر استقطابا للسوريين، بعد لبنان وتركيا والأردن، لذلك هم حذرون من اتمام تسوية رئاسية قد تحمل تغييرا في موازين القوى اللبنانية وتنعكس على وضع اللاجئين، خصوصا أنهم (الأوروبيون) يفضلون إبقاء اللاجئين في لبنان وتركيا والأردن إلى حين إنجاز التسوية السورية التي لا تبدو قريبة. غير أن المصدر الديبلوماسي نفسه يردد «أن هذه الخشية لدى أوروبا لا يجب أن تفهم كأنها «فيتو» على أي من المرشحين، فأوروبا لا تدخل في لعبة الأسماء، بل ما تقوم به هو التعبير عن مخاوف لا أكثر».