يهمس موظف كبير في احدى السفارات الاوروبية في بيروت امام جالسيه بالقول.. لقد استفاق الاوروبيون بعد اغفاءة، ليكتشفوا ان المنظمة التي سوّقوا لها لتحتل صدارة لائحة المنظمات الارهابية، تلك المنظمة، وهي «حزب الله»، الذي سبقنا الى مواجهة الارهاب، وبكّر في تدارك التهديدات والمخاطر التي يشكلها تنظيم «داعش» على المنطقة، بل على المستوى الدولي، فكان في طليعة المواجهين للارهاب، وترجم ذلك بتحريك ماكينته العسكرية على خط لبنان ـ سوريا، وفاجأ المراقبين ودوائر صناعة القرار الدولي، بالانجازات العسكرية التي استطاع من خلالها تغيير وقائع الميدان العسكري، لترجح الكفة لمصلحة النظام في سوريا.
ويذكّر الدبلوماسي الاوروبي بما جرى قبل ثلاث سنوات، حين خاطب الرئيس السوري بشار الاسد قادة الدول الاوروبية التي دعمت «المعارضة المعتدلة»في الحرب على سوريا، ان الارهاب نفسه الذي تدعمونه في سوريا، سيضرب عواصمكم ومدنكم وسيستهدف شعوبكم، لم يتوقف احد من صانعي القرار الاوروبي عند هذه الرؤية الاستراتيجية لمفهوم الارهاب، واعتبروا كلام الاسد خارج سياق التطورات التي يشهدها الشرق الاوسط.
وترى اوساط مطلعة ان الاستهدافات الارهابية التي عادت بقوة الى لبنان، ترتبط بصورة وثيقة بما يجري في المنطقة، بعد الضربات المؤلمة التي وجهت الى التنظيمات الارهابية في سوريا، وانحسارها في مناطق بدأت تضيق عليهم، بفعل ارتفاع وتيرة الغارات الروسية التي وصفها المراقبون بانها قصمت ظهر «داعش» وتوابعه، وتعتبر ان الشكل الدموي الذي ارادته المنظمات الارهابية التي ما تزال تحظى بدعم جهات اقليمية ودولية، انما اريد منها خلط الاوراق، علها تخفف من وطأة الميدان السوري الذي بدأ يلفظها، وقول احد صقور الامانة العامة لقوى 14 آذار ان انفجاري براج البراجنة الارهابيين، سببه دخول «حزب الله»، اُضيف اليه مؤخرا التدخل الروسي، في القتال في سوريا الى جانب نظام الرئيس بشار الاسد (!)، يشبه الى حد كبير قول وزير بارز في قوى 8 آذار من ان احد اهم اسباب الانفجاريين، انزعاج التنظيمات الارهابية من مشهد «ألتوافق الوطني» الذي تجسد في الجلسة التشريعية لمجلس النواب (!)، وهو تفسير يقزّم حجم الاستهدافات التي تحملها اجندة الارهاب.
ويلفت الاوساط الى ان الاوساط السياسية والامنية في لبنان، لم تجزم بان مسلسل التفجيرات الارهابية التي طال قبل اكثر من خمسة اشهر، حواجز ودوريات الجيش اللبناني ومناطق سكنية ومقرات دبلوماسية ايرانية سيتوقف، لقناعتها من ان المناخ اللبناني العام غير محصن بما يمنع تغلغل الارهابيين في مناخات تلائمه، ومنها مناخات الانقسامات السياسية والمذهبية التي شكلت انعكاسا للتوترات السياسية القائمة بين الاطراف، كظهور شبكات ارهابية تتخذ من تجمعات النازحين السوريين غطاء لها، فضلا عن المربعات الامنية المقفلة التي تشكلها المخيمات الفلسطينية التي استقبلت الالاف من النازحين الفلسطينيين والسوريين، وترى ان التنظيمات الارهابية واجندتها الخارجية، لم توقف نياتها في استهداف الساحة الداخلية في لبنان، ومحاولات الاستهدافات الامنية التي توقفت منذ اكثر من خمسة اشهر، حوصرت بفعل الحرب الوقائية التي خاضها مقاتلو «حزب الله» على امتداد جبهة القلمون السوري، ومعها الاجراءات الامنية التي قام بها الجيش اللبناني والانجازات التي حققها مع الامن العام اللبناني والقوى الامنية الاخرى، بما يتعلق بكشف شبكات ارهابية عديدة كانت موزعة في الداخل اللبناني.
وتقول الاوساط : قد تطغى تفجيرات باريس على المشهد السياسي الدولي والفرنسي، وتحدث تغييرات في السياسات الاوروبية وكيفية تعاملها مع الملف السوري، بعد موجات «الغزل» التي اطلقت على مدى خمس سنوات، باتجاه منظمات اسلامية ارهابية تقاتل النظام، بعد ان ابتكرت بها تسمية «المعارضة المعتدلة» وأبدت استعدادا، كما فعلت الادارة الاميركية وجهات دولية واقليمية اخرى، لتزويدها بالسلاح، وهي فعلت، الا ان تداعيات وتأثيرات التفجيرات الارهابية في لبنان، وبخاصة تلك التي تستهدف ساحة «حزب الله» وبيئته الاجتماعية والشعبية، لن تحدث هزة يمكن المراهنة عليها، في الضغط على الحزب لمراجعة سياسته في سوريا، او احداث شرخ بينه وبين جمهوره الذي يشعر بانه مستهدف، حتى ولو لم يشارك «حزب الله» في القتال في سوريا، فهذه المراهنة سقطت منذ زمن، ومع كل استهداف دموي من التنظيمات الارهابية كان هذا الجمهور يعبر عن التصاقه اكثر بـ «حزب الله».
… بعد الاغفاءة الاوروبية على الخطر الذي تشكله المنظمات، بمن فيها المنظمات «المعتدلة» … يبدو ان الاوروبيين استفاقوا، على «حلفاء أُفلتوا منا، وجاؤوا ليفترسوا اولادنا»، وفق ما قال مدير الاستخبارات الفرنسية السابق ايف بونيه الذي قال في اعقاب تفجيرات باريس «ان داعش مسؤولية الغرب».