IMLebanon

أوروبا في لبنان… لمحاربة «تشيرنوبيل» ديموغرافي

خطفت زيارة رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الى لبنان والمنطقة الأضواء، إذ جاءت سريعةً من دون الإعلان عن موعدها سابقاً، ما يطرح علامات استفهام عن هذه الصحوة الأوروبية تجاه لبنان.

أنهى كاميرون زيارته في وقت يتحضّر لبنان لاستقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نهاية الشهر الجاري، وإذا كان همّ انتخاب رئيس الجمهورية وعدم انزلاق البلاد الى حرب المنطقة يطغى على تصريحات المسؤولين الأوروبيين والدوليين، إلّا أنّ هناك دافعاً أساسياً ورئيسياً يستنفر القارة العجوز ويستدعي تدخّلاً سريعاً من قادتها، وهو خطر تدفّق النازحين السوريين الى أراضيها.

شعرت الدول الكبرى أخيراً بما يعاني منه لبنان منذ بداية الحرب السوريّة، وقد رفع الصوت عالياً لنجدته لأنه لم يعُد قادراً على استيعاب النازحين السوريين أو تأمين حاجاتهم الإقتصادية والمعيشيّة، وباتوا يشكّلون خطراً على أمنه واستقراره ويهدّدون الكيان اللبناني بالانفجار من داخله.

تحرّكت بريطانيا، الامبراطوريّة الجزيرة المتحصّنة خلف البحار، والتي لا تحتفل بعيد إستقلالها لأنّ بلداً في العالم لم يستطع إحتلالها، لمواجهة خطر النازحين. البريطانيون الذين واجهوا هتلر وعظمته، وردعوه، يشعرون حالياً أنّ الخطر يأتي من لبنان، هذا البلد الصغير الذي يأوي ما يزيد عن المليون نازح سوري، فكانت زيارة كاميرون الخاطفة ليستطلع كيف يحمي بلاده وأوروبا من الخطر الداهم الذي يتفاقم يوماً بعد يوم.

إلتمس لبنان إندفاعة الاوروبيين وحذرهم وخوفهم من هذا الملفّ الخطر، منذ مدّة، وقد كشفت هذا الأمر اللجنة الدولية للصليب الأحمر عندما إلتقت عدداً من المسؤولين اللبنانيين المولجين ملف النازحين وعلى رأسهم وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس. وأكّدت أن أوروبا أمام هاجس حقيقي، فلا يعرف أحد المدى الذي ستبلغه الأزمة السورية وتدفّق النازحين.

تبيّن أنّ أوروبا خائفة من «تشيرنوبيل» ديموغرافي، إذ إنّها غير قادرة على إستيعاب أعداد كبيرة، فألمانيا أعلنت انّها ستستضيف نصف مليون نازح،

وبقية الدول غير قادرة على استيعاب أعداد كبيرة، فيما فرنسا تعيش تحت خوف «الإسلاموفوبيا»، على رغم أنّ القارة العجوز تحتاج الى طاقات شابة وأطفال جدُد لأن نسبة الولادة متدنّية فيها الى الحدود القصوى.

ويكشف أحد المسؤولين في الدولة اللبنانية، أنّ زيارة كاميرون والإهتمام الأوروبي والدولي بلبنان، ينبعان من خوف على الاستقرار والامن فيه، فإذا انفجر الوضع اللبناني، لا يستطع احد ضبطه، على عكس تركيا والأردن اللتين ما زالتا قادرتين حتى الساعة على ضبط أوضاع النازحين.

ويقول المسؤول إنّ أوروبا متخوّفة من لبنان وعليه، فهو بلد يقع على شاطئ المتوسّط وقريب منها، وإذا اتجهَت الأوضاع نحو التصعيد أو ما يشبه الحرب، فسترتفع عمليات تهريب النازحين، ممّا يهدّد أمن أوروبا ككلّ. والخوف أيضاً من تغلغل جماعات تكفيرية ومتطرفين بين النازحين، لذلك يحرص الغرب على دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الامنية، وهذا ما أكّده كاميرون خلال لقائه رئيس الحكومة تمام سلام.

يعرف كاميرون جيداً أنّ الأمن اللبناني ليس لعبة، لذلك يسارع مع أميركا وفرنسا والدول الفاعلة الى دعم الدولة اللبنانية، وقد طلب أن تلعب بلاده دوراً فاعلاً في المساعدة على إيجاد تسوية سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنّ بلاده من أشدّ المشجّعين على هذه الخطوة.

لا ينفي عدد من الديبلوماسيين الاوروبيين خلال لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين أنّ أزمة اللاجئين المستجدّة قد تدفع بالدول الى تسريع حلّ الأزمة السورية لأنّها سبب المشاكل مع وصول السكّين الى رقابهم، أو أقلّه حلّ الأزمة اللبنانية لتستعيد الدولة اللبنانية هيبتها، من هنا يفكّر البريطانيون والفرنسيون والمجتمع الدولي جدّياً بدعم المجتمعات التي تأوي النازحين أو خلق مناطق آمنة على الحدود لكي يبقوا في الشرق ولا تكون وجهتهم أوروبا التي ترزح بدورها تحت عبء النازحين الأفارقة.

ويُعتبر لبنان من أكثر المجتمعات تضرّراً من إيواء النازحين، فهل يستغلّ الاندفاعة الأوروبية ويستفيد منها اقتصادياً لمواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة وتعويض الغبن الذي لحقَ به في السنوات الماضية؟