عندما سحبت السعودية جنسيتها من أسامة بن لادن، كان قد سبقها إعلانه الحرب الإرهابية على المملكة، أما بريطانيا فقررت سحب جنسيتها من فتاة تعتبر قاصراً عندما التحقت بـ «داعش». في الحالة السعودية، تعرضت الرياض لموجة انتقادات دولية؛ من حكومات ومنظمات حقوق إنسان، أما في الحالة البريطانية، فخبر صغير عابر بلا صدى.
وزير الداخلية البريطاني قرر سحب جنسية الفتاة ذات الأصول البنغلاديشية وهي في سجنها السوري. لم يُحقق معها، ولم يُعرف ظرفها داخل «داعش»؛ هل كانت مقاتلة أم مجرد مخدوعة مسلوبة الإرادة؟ خاصة أنها التحقت بالتنظيم في سن الـ15، أي قاصر وفق القانون البريطاني، والقاصر معلوم أنه فاقد الأهلية. وزاد الأمر غرابة أن أبدى موافقة بمنح طفلها الجنسية، وفِي واقع الأمر، فالأم لم تكن سوى طفل كبير وقتها. الحكومة بحثت عن الخلاص الفاقد للإنسانية، وتجاهلت حقيقة تعرفها جيداً، ومعها كل أجهزة الأمن في دول التحالف الدولي، وهي أن ليس كل من ذهب إلى مناطق «داعش» إرهابي، فهناك أبرياء ضُللوا بكذبة النعيم بحياة الصحابة تحت حكم التنظيم.
ما فعلته لندن تزمع عواصم أوروبية المضي فيه، فهم في ورطة مواطنيهم السجناء في سورية؛ لا يريدون عودتهم، والرئيس الأميركي أحرجهم بطلبه استعادتهم، وحلهم الأسهل إسقاط الجنسية، وليتورط بهم سجّانوهم والعالم. الرئيس ترامب فاجأ المراقبين بوجود 800 سجين أوروبي في سورية، من دون العراق. رقم صادم فاق أرقام دول عربية عدة متهمة بتصدير الإرهاب. وإذا كان كل هؤلاء الأوروبيين سجناء، فكم عدد الذين قتلوا، وكم عدد الذين عادوا متخفين إلى بلدانهم؟ الرقم الكبير صادم إذا نظرنا إلى حجم المسلمين في أوروبا، وقارناهم نسبة وتناسباً مع العالم الإسلامي. فماذا كان يجري في عواصم الغرب حتى تنتج كل هؤلاء المجرمين والمضللين بإسلام «داعش» و«القاعدة»؟
الصورة واضحة، فعواصم أوروبا تحولت في العقود الأخيرة إلى ملاذ آمن للمجرمين الفارّين من بلدانهم، وقدمت لهم الحماية الرسمية تحت غطاء اللجوء السياسي، من دون النظر في أفعالهم الإجرامية أو أفكارهم المتطرفة. لم توصم عاصمة بريطانيا باسم «لندن ستان» عبثاً، فقد احتضنت كل مجرمي «القاعدة» والجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر والجزائر، ولم تنتبه للخطر إلا على مرحلتين زمنيتين متقاربتين؛ الأولى عقب اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر)، والثانية عقب اعتداءات لندن – صيف 2005. وعلى رغم ذلك، لم تعالج المشكلة من جذرها، وظنت أنها أنهت كل شيء بسجن وترحيل الإرهابيين، لكنها أبقت على المتطرفين فكرياً، بتقدير فادح لا يعتبرهم خطراً، وعززت وجودهم بغطاء حقوقي واسع يحمي ما يصدرونه، من دون الأخذ بالاعتبار أن هذه الأفكار أنتجت من سجنتهم ورحلتهم سابقاً، ولاحقاً فرخت مئات من المتطرفين، فأخذوا طريقهم إلى «داعش» و«النصرة».
واليوم تجد أوروبا نفسها تدفع الثمن الباهظ، نتيجة توفير الحماية لكل هؤلاء، وتواجه أسوأ تهديد أمني لم تعرفه منذ عقود.