Site icon IMLebanon

أوروبا تستعد لمواجهة ترامب: «أسوأ كابوس اقتصادي قد تحقّق»

 

باترسيا كوهين- نيويورك تايمز

 

تُعدّ الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما يجعل اقتصاداتهم عرضةً للخطر بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب المُنتخَب. فكانت التوقعات الاقتصادية لأوروبا مُخيّبة للآمال. الأسبوع الماضي، بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، ازدادت الأمور سوءاً.

من المتوقع أن يؤدّي عدم اليقين العميق بشأن سياسات إدارة ترامب تجاه التجارة، التكنولوجيا، أوكرانيا، التغيّر المناخي وغيرها، إلى تثبيط الاستثمارات وإعاقة النمو.

 

وقد يؤدّي شنّ «حرب تعريفة» محتملة من قِبل الولايات المتحدة، الشريك التجاري الأكبر والحليف الأقرب للاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إلى ضرب صناعات رئيسية مثل السيارات، الأدوية، والآلات.

 

وستؤدّي أيضاً الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري بسبب الشكوك حول ضمانات أميركا في أوروبا إلى مزيد من الضغوط على الميزانيات الوطنية وزيادة العجز.

 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدّي مواقف الرئيس المنتخب الأكثر تصادماً مع الصين إلى الضغط على أوروبا لاختيار جانب أو مواجهة تداعيات.

 

وأوضح كارستن بريزسكي، كبير الاقتصاديِّين في بنك «آي إن جي» الهولندي، أنّ «أسوأ كابوس اقتصادي لأوروبا قد تحقق». وأضاف أنّ التطوّرات قد تدفع منطقة اليورو إلى «ركود كامل» العام المقبل.

 

بالنظر إلى الاضطرابات السياسية في ألمانيا وفرنسا، وهما أكبر اقتصادَين في أوروبا، فإنّ هذا الضرر يأتي في أسوأ وقت.

 

 

في اليوم عينه الذي أُعلن فيه عن فوز ترامب، حَلّ المستشار الألماني أولاف شولتز حكومته الائتلافية بسبب اختلافات عميقة حول أولويات الإنفاق والعجز.

 

بالنسبة إلى ألمانيا التي تعاني بالفعل من الركود للعام الثاني على التوالي، فالتحدّيات الاقتصادية التي يفرضها عهد آخر لترامب تُعَدّ أكثر حِدَّة. لقد عانى اقتصادها بعد غزو روسيا لأوكرانيا ووقف تدفّق الغاز الروسي الرخيص – وهو عنصر أساسي في نجاحها الصناعي.

 

تواجه ألمانيا صعوبات على جبهتَين. إذ أعلنت «فولز فاغن»، أكبر شركة لصناعة السيارات في القارة وأكبر صاحب عمل في ألمانيا، أنّها قد تغلق بعض مصانعها وتسرّح عمالاً. وقد تآكلت المبيعات بسبب المنافسة من السيارات الكهربائية الصينية داخل أوروبا وخارجها.

 

ويواجه القادة الأوروبيّون انقساماً بين استرضاء الصين أو التصدّي لها. وقد صوّتت الحكومة الألمانية الشهر الماضي ضدّ خطة الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، في حين امتنعت دول أخرى مثل إسبانيا عن التصويت. وقد وافقت الأغلبية، وردّت الصين بفرض رسوم جديدة على البراندي الأوروبي، الذي يأتي معظمه من فرنسا.

 

وقد تزداد نظرة قطاع السيارات قتامة إذا فُرضت تعريفة جمركية متبادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة هي أكبر سوق للسيارات المصدّرة من ألمانيا، وتُشكّل ما يقرب من 13% من أصل 3,1 ملايين سيارة باعتها في الخارج في عام 2023.

 

حديث ترامب خلال حملته عن جعل الاتحاد الأوروبي «يدفع ثمناً كبيراً» لعدم شراء واردات أميركية كافية وفرض تعريفة موحّدة بنسبة 10 أو 20%، قد يكون نقطة انطلاق للمفاوضات. ومع ذلك، المحلّلون الذين يتوقعون أن يتخذ خطوات أكثر اعتدالاً يقولون إنّ الرسوم المستهدفة على قطاع السيارات مرجحة.

 

وأوضحت هيلديغارد مولر، رئيسة جمعية صناعة السيارات الألمانية، «لم يدرك كثيرون في أوروبا بعد ما يَعنيه التفكير في الجغرافيا السياسية والسياسة الاقتصادية معاً».

 

ستتجاوز التعريفات الأميركية المرتفعة بالطبع قطاع السيارات الألماني لتشمل شركة «نوفو نورديسك»، الشركة الصيدلانية التي تنتج «أوزمبيك»، وقطاعات أخرى مثل الغذاء، النبيذ، الجبن، اللؤلؤ، المواد الكيميائية، المفاعلات النووية، الزجاج، الأحذية، وأكثر من ذلك في أكثر من 20 دولة.

 

وحذّرت لويزا سانتوس، نائبة مديرة «بيزنس يوروب» وهي مجموعة ضغط تمثل آلاف الشركات، بأنّ التعريفات ستزيد التكاليف وتعرقل الاستثمار.

 

وتابعت: «لا يزال لدينا أمل في أنّه نظراً لأهمية العلاقة الاقتصادية، ستتمّ إعادة النظر فيها ولن نواجهها»، في إشارة إلى التعريفات. وقد بلغ إجمالي الاستثمار المباشر من الاتحاد الأوروبي في الولايات المتحدة 2,4 تريليون دولار في عام 2022، ما خلق أكثر من 3,4 ملايين وظيفة أميركية، وفقاً للاتحاد الأوروبي.

 

حالياً، يبلغ متوسط التعريفات الجمركية الأميركية على الواردات الأوروبية حوالى 3 إلى 4%.

 

وفي الوقت عينه، فإنّ زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على الصين، وهو أحد وعود ترامب التجارية الأخرى، من المرجّح أن تشجّع المصنّعين الصينيِّين على توسيع مبيعاتهم خارج الولايات المتحدة، ممّا يزيد من المنافسة مع المنتجين الأوروبيِّين.

 

قد تنظر الشركات الأوروبية إلى تأسيس أو توسيع الإنتاج في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنّ أي مصنع يستخدم مواد مستوردة من الصين سيجد أنّ التكاليف ترتفع بغضّ النظر عن موقع منشآته.

 

 

وكشفت «فيستاس»، شركة دنماركية رائدة عالمياً في تصنيع توربينات الرياح، أنّها زادت بالفعل الإنتاج في مصنعَيها الأميركيَّين في كولورادو. وقد نشأ أكثر من 40%. من طلباتها في الأميركيتَين خلال الأشهر الثلاثة التي انتهت في أيلول.

 

بدوره، أوضح هنريك أندرسن، الرئيس التنفيذي للشركة، في مكالمة مع محلّلين صناعيِّين الأسبوع الماضي، «لقد تغيّر العالم من حيث التعريفات». وأشار إلى أنّ «فيستاس» كانت قد اضطرّت إلى التعامل مع التعريفات التي فُرضت خلال إدارة ترامب الأولى وإدارة بايدن، قائلاً: «لذلك نحاول استبعاد المزيد والمزيد من الحجم والمزيد من المكوّنات من الأصل الصيني عندما يتعلّق الأمر بالولايات المتحدة».

 

التعريفات ليست المشكلة الوحيدة لصناعة الرياح. خلال حملته، تعهّد ترامب بقتل مشاريع الرياح البحرية في «اليوم الأول».

وأوضحت شركة «أورستد» الدنماركية، إحدى أكبر شركات تطوير طاقة الرياح البحرية في العالم، أنّها تعمل على مشروع «ثورة الرياح» الكبير قبالة نيو إنغلاند، وتعمل على مشروع آخر، «شروق الرياح» لنيويورك.

 

وأمل مادس نيبر، الرئيس التنفيذي لشركة «أورستد»، الأسبوع الماضي، أن تستمر الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لدعم مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.

وأضاف: «إنّها صناعة تُبنى من الصفر، وتُدعم بشكل قوي من قِبل ولايات الشمال الشرقي، إذ تُعدّ البدائل لتوفير الطاقة، وخصوصاً الطاقة الخضراء، صعبة».

 

كما أكّد ترامب أنّه يريد وقف بعض مشاريع الطاقة الخضراء التي استفادت من حزمة سياسة صناعية بقيمة مليارات الدولارات أقرّها الكونغرس في عام 2022.

وقد هيمنت الحاجة إلى استجابة منسقة من الاتحاد الأوروبي على قمة الأسبوع الماضي في بودابست. ويعتقد ماريو دراغي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق الذي أنهى أخّيراً تقريراً حول التنافسية الأوروبية، أنّ «الإحساس بالإلحاح أكبر ممّا كان عليه قبل أسبوع».

 

ودعا دراغي إلى زيادة الاستثمار العام السنوي بمقدار 900 مليار دولار، لتمكين أوروبا من عكس اقتصادها الراكد والتنافس بشكل أفضل مع الولايات المتحدة والصين.

وأضاف، أنّ الأهم الآن هو مضاعفة الجهود لربط اقتصادات الكتلة، من خلال سوق رأس مال موحّدة وإصدار ديون مشتركة، وهي مقترحات أثارت الجدل.

 

وأعلنت جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، في الاجتماع: «لا تسألوا ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لكم، بل اسألوا عمّا يجب على أوروبا أن تفعله لنفسها. يجب على أوروبا أن تجد التوازن. نحن نعرف ما يجب علينا فعله».

 

في نهاية الاجتماع، تبنّى القادة إعلاناً يَعِد بتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا. لكن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يستطيع تحويل تلك المشاعر إلى حقيقة، يبقى سؤالاً بلا إجابة، نظراً لتزايد التشرذم السياسي داخل أوروبا، وارتفاع أحزاب اليمين التي تشكّك في منح بروكسل المزيد من السلطة.