ضرب اليأس سفراء الدول الأوروبية في لبنان إذ إن كل التحذيرات التي يتلونها على مسامع حكّام لبنان لم تحرّكهم أو تدفعهم إلى إجراء الإصلاحات المطلوبة.
لا شكّ أن اجتماع مجموعة الدعم الذي عقد في قصر بعبدا منذ أيام جيّد في الشكل، إلا أنه لم يغير أي شيء في المضمون حيث كان مطلب الإصلاح هو الأساس ومن دونه لن تقدّم الدول والجهات المانحة أي دولار إلى لبنان.
لكن، وعلى خطى الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية فإن الدول الأوروبية لن تقدّم الهدايا المجانية للبنان، وهذا الأمر كان قبل أزمة “كورونا”، وبعد الأزمة فإن الوضع انقلب رأساً على عقب.
وينقل أحد المسؤولين عن سفير أوروبي إلتقاه أخيراً أن أوروبا “تعجن” لتخبز عن جديد، فـ”كورونا” بدّلت ملامح “القارة العجوز”، والإتحاد الأوروبي يواجه خطر الإنهيار في أي لحظة إذا طال عمر الأزمة أكثر.
ويتابع السفير: “ما حصل ليس بالأمر السهل أو المعقول، فأوروبا كلها في ورطة، وتفشي “كورونا” في إيطاليا كشف عورة الإتحاد الأوروبي، إذ إن روما وجدت نفسها وحيدةً في مواجهة الفيروس ولم تقف الدول الأوروبية إلى جانبها بالشكل المطلوب، وبالتالي باتت تسأل ما الفائدة من الإستمرار بهذا الإتحاد إذا لم يساندنا لحظة المصيبة؟”.
وعلى خط آخر، فإن فرنسا راعية مؤتمر “سيدر 1″، والأم الحنون للبنان، في مشكلة إقتصادية كبرى، إذ إن “كورونا” يستنزف طاقاتها ومواردها الإقتصادية، وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى صرف مبالغ مالية ضخمة لمواجهة الأزمة الإقتصادية الفرنسية جراء التوقف عن العمل بسبب “كورونا”، ما انعكس ارتفاعاً في شعبيته، وبالتالي فإن القدرة الفرنسية على التحرّك باتت أقل فعالية.
وما ينطبق على فرنسا وإيطاليا يسري على بقية الدول الأوروبية المانحة والتي شاركت في مؤتمر “سيدر”، وهي تفتّش عن خشبة خلاص للخروج من مأزق الفيروس، وهذا الأمر حتّم على الحكومات الأوروبية دفع مبالغ كبيرة للصمود في هذه الأزمة وتخطيها.
وأمام كل ما يحصل، يؤكّد هذا السفير الأوروبي أن “أوروبا لا يمكنها الوقوف إلى جانب لبنان مثلما كانت تفعل، ليس لأنها لا تريد، بل لأن هجوم “كورونا” كلّفها كثيراً”، ففي السابق رعت “القارة العجوز” مؤتمرات دعم عسكرية ومالية وأخرى تختص بالنازحين السوريين وذلك من أجل مساعدة لبنان واليوم هذه الإمكانيات غير متوافرة لأن كل دولة مشغولة بمشاكلها.
لذلك يشدّد الاوروبيون على انه لم يعد من فرصة أمام اللبنانيين إلا مساعدة أنفسهم والبحث عن حلول للأزمة الإقتصادية ووقف مسلسل الهدر والفساد والسرقة لأنه السبب الأساسي في إفقار الدولة وجعلها تنهار، وما يدعو للحيرة هو معرفة حكّام لبنان بخطورة الوضع لكنهم لا يقدمون على أي خطوة إنقاذية.
وينظر الأوروبيون بعين الغضب إلى حكّام لبنان ويرون أنهم يرتكبون جريمة بحق بلدهم، إذ إنهم كانوا أول من طالب بإجراء إصلاحات جدية في ملف الطاقة والكهرباء وقد دخلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على الخط خلال زيارتها الأخيرة لبنان وعرضت المساعدة عبر شركة “سيمنز” الألمانية لكن ردة فعل القيّمين على وزارة الطاقة أغضبت الألمان وأدركوا أن هذا الملف يشكل “مغارة علي بابا” ولا نية لبعض السياسيين بإصلاحه وبالتالي فإن خسائر الدولة اللبنانية من الكهرباء والتي تتجاوز 2.5 مليار دولار سنوياً ستستمرّ، ولا أمل في الإصلاح ما دام ليس هناك قرار سياسي واضح في هذا الشأن.
من هنا، فإن الأوروبيين يتابعون “الدلع” الذي يحصل في ملف الكهرباء، وليس من باب الصدفة أن يسألوا خلال اجتماع مجموعة الدعم الذي انعقد في بعبدا أخيراً: لماذا لم يتمّ تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء بعد، في دليل على أنهم يتابعون أدق التفاصيل ولذلك لن يكونوا صندوق “كاريتاس” لحكّام يصرون على عدم الإصلاح.