يبدو ان التساؤلات عن صحة اكبر مُقرض في المانيا بدأت تلوح في الافق واستحوذت اهتماما كبيرا مع بدء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن سيما وانها قد تعرّض الاستقرار المالي للخطر.
قال مسؤولون في صندوق النقد الدولي انهم قلقون تجاه وضعية «دويتش بنك» انما لا يريدون اثارة المزيد من الاضطرابات. وأعلن نائب مدير الصندوق لأسواق رأس المال داتيل ان البنك الالماني في حاجة ماسة الى تنقيح نموذج عمله الذي لم يدّر عليه ارباحا كافية بل انها ضئيلة جدا في عصر معدل فوائد سلبية.
ويبدو ان المصرف الالماني يواجه أزمة ثقة كون وزارة العدل الاميركية طالبته الشهر الماضي بدفع غرامة قدرها ١٤ مليار دولار لتسوية وضعيته كونه راهن في سوق العقارات قبل حدوث الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨. ويعتبر هذا المبلغ استنزافا كبيرا لقدرات البنك وستكون له آثار على المدى الطويل على المانيا وبقية دول منطقة اليورو.
لا تزال مصارف اوروبا متعثرة مع حوالي ٩٠٠ مليار يورو من الديون الهالكة التي خلفتها الأزمة المالية الاخيرة. وتأتي أزمة «دويتش بنك» ضمن جملة انتكاسات تواجه المصرف منذ عام سيما وانه قبل عام بالتحديد اعلن المصرف عزمه تسريح 30 الف شخص بعد وقت قصير من اعلان خسارة فعلية وصلت الى 7 مليار دولار.
كذلك وافق المصرف في تشرين الثاني على دفع غرامة قدرها ٢٥٨ مليون دولار لانتهاكه قوانين العقوبات الأميركية. وفي حزيران، فشل المصرف في «اختبار التوتر» الأميركي وقدرته على الصمود في ظل انكماش اقتصادي محتمل.
الآن، وليس أخيرا يواجه المصرف الالماني غرامة بقيمة عدة مليارات من الدولارات. لذلك تبدو الامور سيئة للغاية سيما وان المستثمرين بدأوا يقلصون اعمالهم مع «دويتش بنك» بسبب تجدد المخاوف في شأن الحالة المالية والتي قد تؤدي في حال تفاقمها الى ازمة اوسع نطاقًا على غرار الذي حدث في العام ٢٠٠٨.
وقد سعت ادارة اوباما الى معاقبة المصارف لبيعهم رزما للرهن ذات جودة منخفضة دون اعلام العملاء بالمخاطر المرتبطة بها. كذلك فان حل الأزمة عن طريق تسوية أمر مهم جدا للمستشارة الالمانية ميركل والتي تواجه انتخابات فيدرالية في المستقبل القريب.
وتنطوي محاولة انقاذ مصرف سبق ودخل في مضاربات على مجازفة كبيرة. انما يبقى ان المسؤولون الالمان يعلمون علم اليقين انه اكبر بنك في المانيا ويوظف حوالي ١٠٠ الف شخص ولا يمكن ان يفشل لذلك تحاول برلين التوصل الى تسوية مع السلطات الاميركية تخفف من خلالها الضغط على الدويتش بنك. وقال مسؤول حكومي في المانيا ان الحل الامثل قد يكون في عملية دمج مع احد المصارف المحلية مثل Commerz bank.
هل باتت الضغوطات التي تواجه دويتش بنك شبيهو بوضعي «ليمان برازرس»؟
وفق استاذ الاقتصاد في وارتون Goldstein هناك اختلافات كثيرة، لكن من المؤكد ان وضعية المصرف مقلقة ولكن ليس ثمة ما يدل على ان ذلك سوف يؤدي الى ازمة كبيرة مشابهة لانهيار ليمان برازرس في العام ٢٠٠٨ سيما ان البيئة المالية العالمية تغيرت والنظام الحالي اصبحا اكثر استعدادا من ذي قبل لمواجهة ازمة كالتي حصلت في العام ٢٠٠٨ .
اضاف: لا يمكن السماح بانهيار المصرف الالماني سيما وان انهيار ليمان برازرس ادى الى نتائج عكسية وازمة كبيرة. فهو اهم مصرف في اوروبا ووضعيته تعكس صحة النظام بكامله، وهو الطرف المالي المقابل لكل المؤسسات المالية في المنطقة وعلى قمة اكبر اكتتاب في المشتقات والتي قد تشكل ٢٠ مرة ضعف حجم الاقتصاد الالماني.
قد تكون الضحية الأهم لأزمة «دويتش بنك» هي الجهود المبذولة من الاتحاد الاوروبي للتقدم نحو الاتحاد المصرفي، ومن اهم ركائز هذه الجهود مجموعة من القواعد التي اتخذت في اعقاب الأزمة المصرفية القبرصية في العام ٢٠١٣، واذا ما حاولت المانيا انقاذ المصرف سيكون الامر مدعاة سخرية في منطقة اليورو، اذ ان الامر سيظهر وكأن هناك مجموعة قواعد خاصة بالمانيا ومجموعة قواعد اخرى خاصة بالدول المتبقية.
كذلك سيُضاف الامر على المشاكل السياسية التي تواجهها ميركل سيما وانها أظهرت مرارا معارضتها لانقاذ اي مصرف بما فيها «دويتش بنك».
لذلك قد تكون تحركات الحكومة الالمانية المقبلة دقيقة وشبيهة بالحالات التي مرت بها الشركات الاوروبية واتباع نهج تكتمي جزئيا لأنها رأت كيف عالجت فرنسا منذ عدة سنوات موضوع الغرامة المفروضة على BNP Paribas بقيمة ٩ مليار دولار، لانتهاك العقوبات الاميركية ضد ايران وكوبا والسودان والتي ادت الى نتائج عكسية.
وكيف عالجت فولكسفكن فضيحة الديزل محاولة حل النزاع بطرق غير لائقة وارسال موظفين عاديين لحل هكذا مشكلة بما يعني ان الدويتش بنك عليه الاستفادة من الدروس السابقة وارسال John Cryan المدير التنفيذي للمصرف من أجل محاولة حل المشكلة العالقة.
في المطلق التحدث عن أزمة مالية جديدة قد يكون مجرد تنبؤات سيما و ان العالم بات على يقين بجملة امور وان المسؤولين حاولوا خلال السنين الماضية تنظيم مصارفهم بشكل باتت اكثر جهوزية وتحملا لهكذا حالات وصدمات.