لم تتردد دول أوروبا، بمجملها تقريباً، في الانصياع للموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين. ليست فرنسا وحدها التي عبّرت تعبيراً كاملاً عن وقوفها إلى جانب اسرائيل، قبلها كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين تعلن، بما تمثّل ومن تمثّل، الوقوف إلى جانب اسرائيل متّهمة حركة «حماس» بالإرهاب. مواقف اعتبرها عدد من الديبلوماسيين الأوروبيين «خروجاً عن مبادئ الاتحاد الأوروبي ووساطته المتعارف عليها». وهو كلام سمعه أيضاً السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو في مجلس سياسي، ضمن انتقادات طالت مواقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي جعلته طرفاً غير محايد حيال ما تشهده غزة.
موظفون في الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية عبّروا بدورهم عن اعتراضهم على تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، خصوصاً قولها إنّ «أوروبا كلها تدعم اسرائيل»، من خلال رسالة اعتراض، ما يعني وجود تباين داخل «الاتحاد» حيال الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة. فقد اعتبر هؤلاء الموظفون أنّ موقف رئيسة المفوضية منحاز لفريق على حساب الفريق الآخر، ولا يراعي مبادئ المفوضية والأسس التي بنيت عليها.
وفي الرسالة التي اكتفت المفوضية بنشر خبر مختصر جداً عن مضمونها على موقعها الرسمي، عبّر هؤلاء عن إدانتهم عملية «حماس» «طوفان الأقصى»، لكنهم شجبوا في المقابل «ردّ الفعل غير المناسب للحكومة الاسرائيلية» التي نفّذت في غزة ما وصفوه بـ»فظائع لا يمكن تصورها».
ومما جاء في الرسالة التي اطلعت «نداء الوطن» على نصها أنّ الموظفين فوجئوا بموقف رئيسة المفوضية الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، ما عكس أمام الإعلام الأوروبي وجود فوضى في التعاطي الأوروبي الرسمي. وضمّنوا الرسالة انتقاداً للمعايير المزدوجة في تعامل المفوضية، التي تعتبر الحصار الذي تفرضه روسيا على الشعب الأوكراني عملاً إرهابياً، بينما تتجاهل العمل المماثل الذي قامت به إسرائيل ضد شعب غزة، منتقدة وقوف المفوضية إلى جانب اسرائيل وحدها، والتعبير عن ذلك بإضاءة مباني المفوضية بعلم إسرائيل.
وفي توصيف الموظفين حسب الرسالة، فإنّ الاعتداءات الإسرائيلية على غزة تسببت بـ»أزمة إنسانية غير مسبوقة تضاف إلى 17 عاماً من الحصار على قطاع غزة»، محذّرين «إذا لم تتوقف إسرائيل فوراً، فإنّ القطاع بأكمله وسكانه سيُمسحون من على وجه الأرض». وتابعوا «لا يمكننا أن نبقى صامتين عندما تكون المؤسسة التي نمثّلها غير قادرة على وقف المأساة الفلسطينية التي تستمر منذ عقود من دون محاسبة»، ورأى المعترضون أنّ الموقف الأخير لرئيسة المفوضية جاء «بمثابة تشريع لجرائم اسرائيل الحربية في قطاع غزة».
«في هذا الوقت الحرج»، حسب توصيفهم، تمنّى موظفو الاتحاد الأوروبي والمفوضية لو»تحتفظ المؤسسة التي تمثلها فون دير لايين بمبادئها في التمسّك بالسلام والعدالة وحقوق الإنسان وتقف بحزم ضدّ انتهاكها». وتمنوا لو أنّ «الاتحاد الأوروبي، الحريص على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، والذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2012، قد دعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية والعنف العشوائي ضد المدنيين. ولو كان الاتحاد الأوروبي استخدم كل وسائل الديبلوماسية للتفاوض بين الأطراف من أجل تحقيق عودة آمنة للرهائن الإسرائيليين والدوليين ورفع الحصار عن غزة».
وحذّروا من أنّ المواقف المؤيّدة لأحد الأطراف تساهم في توسيع الفجوة بين أوروبا والعالم الإسلامي، داخل حدود الإتحاد وخارجها، وزيادة مشاعر معاداة السامية.
وحضت الرسالة المفوضية الأوروبية «على الدعوة، مع قادة الاتحاد بأكمله، إلى وقف إطلاق النار الذي يندرج في جوهر وجود الاتحاد الأوروبي والى حماية المدنيين»، والتأكيد على «التزام الاتفاقيات التي صادق عليها الاتحاد الأوروبي ودعوة الجهات الأخرى إلى القيام بالشيء نفسه، بصرف النظر عن مواقفهم المختلفة»، وإلا «فإنّ الاتحاد الأوروبي يخاطر بفقدان مصداقيته بالكامل وبكونه وسيطاً عادلاً»، وختمت الرسالة بالتمني على أعلى إدارة في الاتحاد الأوروبي «المساهمة بفعالية والدعوة بحزم إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل».