IMLebanon

أوروبا الجديدة أكثر إسرائيليةً من أميركا

 

 

يختصر الموقف الألماني المتقدّم في الدفاع عن إسرائيل وجرائمها الموقف الأوروبي بشكل عام تجاه الحرب على غزّة، مع استثناءات بسيطة في إسبانيا، وبعض الدول الأخرى ذات التأثير المحدود.فالتبرع الألماني للدفاع عن الجرائم الصهيونية أمام محكمة العدل الدولية، وإن كان نابعاً بالأساس من خصوصيّة ألمانيّة تجاه المسألة اليهودية، إلّا أن المزاج الأوروبي الرسمي في الدول العميقة وعند القوى ذات الهيمنة الفعليّة على القرار، بات يتجاوز الموقف الأميركي في دعم إسرائيل المطلق، لأسباب أوروبية خاصة.

إذ إن الولايات المتّحدة أعلنت، ولو شكلياً، إيقاف شحنات أسلحة تضمّ نوعين من القنابل غير الموجّهة إلى إسرائيل، بينما لم تجرؤ دولة أوروبية واحدة على التحدّث عن أمرٍ كهذا، مع استمرار تدفّق الأسلحة الأوروبية والدعم الاستخباري لكيان العدوّ منذ اندلاع الحرب.

قراءة المواقف الأوروبية منذ 7 أكتوبر 2023 حتى اليوم، تكشف عن تحوّل بالغ الأهمية في السياسة الخارجية للدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي. فمن دور الوسيط المقبول في النزاعات الدولية الكبرى، كالموقفين الألماني والفرنسي من حرب العراق، ودور المموّل لمشاريع «التنمية» الجدلية في العالم العربي، انتقلت هذه الدول إلى دور الشريك في الحرب والداعم لإسرائيل سياسيّاً وعسكرياً من دون أيّ اعتبار لتداعيات المواقف الجديدة على حضور هذه الدول في العالم العربي ودول الجنوب بشكل عام.

من الناحية النظرية، وبعيداً عن النقاش الأخلاقي حول ازدواجية المعايير في المنظومة الغربية، يمكن القول إن دول أوروبا الأساسية تتبنّى وجهة النظر الإسرائيلية في الحرب على المقاومة الفلسطينية، وتالياً غزّة والشعب الفلسطيني، باعتبار هزيمة حركة حماس والقضاء عليها أمراً مطلوباً أوروبياً قبل أن يكون إسرائيلياً. بالإضافة إلى اقتناع الأوروبيين بضرورة إعادة شعور «الأمان» للمستوطنين الصهاينة، وبالذات ذوي الأصول الأوروبية، خشية التداعيات المحتملة لهجرة عكسية واسعة من فلسطين، تعيد المسألة اليهودية في أوروبا إلى عقود مضت.

ولهذا الموقف المتطرّف عدّة أسباب، يمكن ذكر بعضها. أوّلاً، دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا دول أوروبا الغربية إلى تبنّي مقاربة سريعة بأن التهديد الروسي لأوروبا بات جدياً ووشيكاً، وأن مرحلة الاستقرار العسكري والتراخي في بناء الجيوش انتهت ولا بدّ من إعادة تذخير الجيوش وتوسيع قدراتها وبناء قدرات دفاع جوي متطوّرة لصدّ أي هجوم تقليدي أو نووي روسي محتمل. وهذا التغيّر الذي سبق 7 أكتوبر، حوّل إسرائيل من مجرّد متلقٍّ للأسلحة الأوروبية إلى شريك في دعم الأمن الأوروبي في مجالات الدفاع الجوي ومضادّات الدروع والهجمات السيبرانية، ما عزّز من مكانة إسرائيل على المستوى السياسي في دول كانت حتى الأمس القريب، تلاحق بعض المسؤولين الإسرائيليين بتهم جرائم حرب عن جولات سابقة في العدوان على الفلسطينيين، وفي انتقاد التوسع الاستيطاني على أرض فلسطين.

ثانياً، باتت الدول الأوروبية الرئيسية تربط بين حركة حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبار أنّ عدم القضاء على الحركة يعني انتصاراً لإيران في ساحة المشرق العربي. ويتزامن هذا الربط مع الخشية الأوروبية من التعاون العسكري المتقدّم بين الإيرانيين والروس، ولا سيّما الخشية من تسليح إيران لروسيا بكميات من الذخائر والصواريخ ذات المديات القصيرة والمتوسطة وبأسعار زهيدة مقارنة مع التكلفة الغربية أو حتى الروسية لتصنيع مثل هذه القدرات، مقابل حصول إيران على قدرات جويّة متقدمة من الروس. ويرى الأوروبيون أن حصول الروس على مثل هذه الذخائر سيزيد من قدرة موسكو على تهديد العمق الأوروبي والتقدّم في المعركة في أوكرانيا. حتى إن المنسّق الأوروبي لمفاوضات الاتفاق النووي إنريكي مورا، ناقش خلال اجتماعه الأخير في الدوحة في 7 آذار الماضي مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني مسألة التسليح الإيراني لروسيا.

ثالثاً، طرأ تحوّل مهم على الموقف الأوروبي من الإسلام السياسي بشكل عام، ولا سيّما حركة الإخوان المسلمين بعد 7 أكتوبر. إذ إن القبول التاريخي للحركة في الدول الأوروبية واعتقاد الأوروبيين بضرورة الحوار والتواصل مع تنظيمات الإسلام السياسي بهدف الاحتواء وتحقيق التوازن مع الأنظمة العربية والتخفيف من المخاطر الأمنية المحتملة على الأمن الأوروبي، في القارة الأوروبية وفي الخارج، انقلب ليتحوّل خشية من دور التنظيمات الإسلامية بتهديد المصالح الأوروبية.

رابعاً، لا يمكن إغفال تبنّي القوى الحاكمة في الدول الأساسية لبعض أفكار اليمين الأوروبي وانكفاء اليسار الأوروبي بنماذجه القديمة لمصلحة نماذج جديدة تدعم الحركة الصهيونية، حيث تتمدّد تنظيمات اليمين المتطرّف واليمين الوسط لتحاكي المخاوف الأوروبية المستجدّة من سياسات الاندماج والهجرة. وخلال الشهر المقبل، ستشكّل انتخابات البرلمان الأوروبي اختباراً مهماً لمدى تقدّم قوى اليمين واليمين الوسط في المجتمعات الأوروبية، ما يعني ازدياد قدرة هذه القوى على التأثير في القرارات الأوروبية الجمعيّة.