Site icon IMLebanon

تداعيات حلّ الرئيس ماكرون: الجمعية الوطنية وفقاً لأحكام الدستور الفرنسي

 

بعد الفوز الساحق لجوردان بارديلا في الانتخابات الأوروبية، أقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية بعد سنة من انتخابها وفقاً للمادة ١٢ من الدستور الفرنسي، التي تجيز لرئيس الدولة وحده الحق في اتخاذ قرار الحل هذا لأن النظام الفرنسي شبه رئاسي، أما مجلس الشيوخ فلا يمكن حلّه. وبالتالي، يعود استناد ماكرون إلى حقه كرئيس للجمهورية الفرنسية بالحلّ، لا سيما أنه وإن كان من المفترض قبل اتخاذ قرار الحلّ، التداول بالأمر مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس الجمعية الوطنية، إلّا أن كل تلك الآراء هي محض استشارية، وبالتالي فهي غير ملزمة للرئيس ماكرون. علماً بأن الانتخابات البرلمانية يجوز أن تبدأ بعد الحل بـ ٢٠ يوماً على الأقل، على ألا تتجاوز الـ ٤٠ يوماً، ولذلك حدّدها ماكرون بتاريخ ٣٠ حزيران للدورة الأولى.

وللمتسائلين عن سبب الحلّ، فهو عادة ما يمارس في فرنسا كورقة ضغط يستخدمها رئيس الجمهورية للضغط على الجمعية كي لا تناقض سياساته، ومن أجل الحصول على دعمها المتواصل، وللتأكيد على سياسة حكومته وسياسته البنّاءة، وهي تمارس أيضاً كوسيلة لإيجاد حلّ لمشكلة أو أزمة سياسية بين رئيس الجمهورية والأحزاب المشككة بشعبيته، مما يدفعه للعودة للشعب لحسم الموضوع بأنه صاحب الكلمة الفصل على الأرض، وبأن الأغلبية سوف تكون من نصيبه أو ستتوافق معه سياسياً.

 

ولكن ماذا لو خسر الرئيس ماكرون الأغلبية النيابية، وحصلت غريمته مارين لوبان عليها، وتسلّم منصب الوزير الأول (وهو لقب رئيس الوزراء الفرنسي) جوردان بارديلا رئيس حزب التجمع الوطني المتطرف الذي ترأسه لوبان؟ إذ أن رئيس الجمهورية الفرنسي من الناحية العملية مجبر على اختيار زعيم الحزب الأغلبي في الجمعية الوطنية كوزير أول، خاصة عندما تكون الأغلبية البرلمانية غير متطابقة مع الطيف السياسي لرئيس الجمهورية، فلا يكون بالتالي للرئيس الحرية في اختيار الوزير الأول عندما لا يكون زعيماً للأغلبية البرلمانية. ويرجع سبب ذلك إلى أن رئيس الجمهورية مضطر تحت طائلة الخذلان، أن يختار وزيراً أولاً ترضى عنه الأغلبية البرلمانية، لأن البرلمان يستطيع أن يبادر من تلقاء نفسه إلى طرح الثقة بالحكومة في أي وقت وسحب الثقة منها، ناهيك عن أن الحكومة وفقاً للفقرة الأولى من المادة ٤٩ من الدستور الفرنسي تتحمّل مسؤوليتها السياسية على تنفيذ برامجها أو تصريحها السياسي العام.

 

وفي الحالة التي لا يكون رئيس الجمهورية زعيم الأغلبية البرلمانية، دوره يخفّ كثيراً، وإن كان يظلّ يحتفظ بدور أساسي في ميداني السياسة الخارجية والدفاع.

أما إذا تدخّل رئيس الجمهورية في أداء رئيس الوزراء الذي لا ينتمي إلى أغلبيته، فقد يقود ذلك رئيس الوزراء إلى الاستقالة كما حصل بالسابق في عهد الرئيس جورج بومبيدو عام ١٩٧٢ حيث استقال رئيس وزرائه اعتراضاً على تدخلاته في شؤون الحكومة، التي تنص المادة ٢٠ من الدستور الفرنسي أنها هي التي تقرر وتقود سياسة الأمة؛ وكما حصل في عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان عندما كان جاك شيراك رئيساً للوزراء وكان يحدّ من حريته والوسائل الضرورية لتنفيذ برنامجه السياسي؛ بمعنى أنه في الحالة السياسية التي لا يسودها مبدأ الأغلبية الرئاسية، وهي حالة التعايش بين قطبين في السلطة يختلفان سياسياً، ولا يتكيّفان، تنتقل جزء من السلطة بشكل غير مباشر من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء، وهذا ما يمكن أن يحصل اليوم مع ماكرون، الذي قد يندم على خطوة حلّ جمعيته الوطنية غير المدروسة. لا سيما أن رئيس الجمهورية الفرنسي وفقاً للدستور لا يملك السلطة في إقالة رئيس الوزراء، ورئيس الوزراء لا يترك عمله أو منصبه إلّا بالاستقالة، ولذلك إذا تسلّم بارديلا منصب الوزير الأول كما هو متوقع، فسوف يكون له حيّز كبير من الفعل وتبرز أهميته في السلطة التنظيمية كما في عمل الحكومة والمسؤولية عن الدفاع الوطني، فالفقرة الثانية من المادة الثامنة من الدستور على سبيل المثال تنص على أن رئيس الجمهورية يقوم بتعيين الوزراء بناء على اقتراح رئيس الوزراء، فجميع الوزراء يتم اختيارهم من قبل الرئيسين معاً، كما أن رئيس الوزراء يقود العمل الحكومي ويهيّء اتخاذ القرارات والتعليمات والإجراءات وإيصالها إلى أجهزة الحكومة، وينسّق بين السلطات العامة والمؤسسات العامة، وله في الجانب التشريعي حق طرح واقتراح قوانين بموجب المادة ٣٩ من الدستور الفرنسي، وهو الذي يوقّع ويطرح مشاريع القوانين وباسم الحكومة، وله بموجب المادة ٦١ من الدستور حق الطلب من المجلس الدستوري مناقشة ومراجعة دستورية لقانون ما، كذلك ففي حال استقال الوزير الأول نتيجة ضغوط مارسها عليه رئيس الجمهورية الفرنسي من خلال تعطيل مراسيم حكومته بعدم التوقيع عليها، ومن ثم أعادت الأغلبية البرلمانية اختيار الوزير الأول المستقيل لممارسة نفس مهامه، فسيوضع رئيس الجمهورية بموقع محرج أمام الرأي العام الفرنسي، وكل ذلك سيساعد بكل تأكيد السيدة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية التي ستجري عام ٢٠٢٧ لكي تتبوأ لأول مرة منصب رئاسة الجمهورية الفرنسية، لا سيما أنها هي التي يُتوقع أن تكون منذ الآن ،حال فوز حزبها بالانتخابات التشريعية، الزعيمة الحقيقية للأغلبية البرلمانية وصاحبة الدور الوطني الأكبر.

ختاماً، هل أخطأ الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون أم لا؟ كله سيتبيّن في غضون أسابيع قليلة، وربما تكون غلطة الشاطر بألف.