أدّت الإتصالات والمشاورات التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية إلى تنفيس الإحتقان السائد بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، ولو بنسبة محدودة بعدما تراجع التصعيد بينهما بنتيجة التوتّر السعودي ـ الإيراني، والذي خلق أجواءً غير مريحة على الساحة الداخلية. وبالتالي، فإن الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» سيعود إلى وتيرته السابقة، وعبر مواعيد متقاربة في عين التينة في المرحلة المقبلة، وذلك بعدما ركّز رئيس مجلس النواب نبيه بري كل جهوده باتجاه إبقاء هذا الحوار الثنائي على قيد الحياة، رغم كل التصدّعات التي أصابته، وبرزت بشكل جلي في نقاشات الجلسة الأخيرة، وذلك لجهة الإتفاق على الإختلاف حول الملفات الداخلية والإقليمية، وذلك على الرغم من كل الحملات السياسية، وتهديد تيار «المستقبل» بالإمتناع عن مواصلة هذا الحوار بعد الهجوم العنيف الذي كان قد شنّه النائب محمد رعد على الرئيس سعد الحريري.
وقد كشفت مصادر سياسية في تيار «المستقبل»، أن الحريري، قد حدّد أهدافاً محدّدة للحوار مع «حزب الله»، أبرزها كان قطع الطريق على أي فتنة سنّية ـ شيعية، وذلك من أجل الحؤول دون أي اهتزازات أمنية في الشارع اللبناني، إذ أن أي احتكاك لبناني كان سينقل البلاد من ضفة إلى أخرى. وأضافت المصادر نفسها، أن الحريري قد أراد لهذا الحوار أن يستمر، ولو لم يحقّق إلا تنظيم الخلاف مع «حزب الله»، ذلك على اعتبار أنه يدرك أن الحزب ملتزم سياسياً وعقائدياً بإيران، ويدرك أيضاً أن السعودية باركت هذا الحوار، وما زالت تؤيّده كونه يساهم في ترسيخ الإستقرار الداخلي. ولفتت إلى ان نبيه بري، كما الحزب، على تماس مع هذه القناعة ويوافقان عليها.
في غضون ذلك، أشارت المصادر نفسها، إلى أن الوضع الداخلي قد عاد إلى المربع الأول في كل الملفات والإستحقاقات السياسية والدستورية، وذلك بحسب ما نقلت هذه المصادر عن سفير أوروبي في بيروت بما مفاده أن الإنتخابات الرئاسية قد عادت أيضاً إلى المربّع الأول ربطاً بالإشتباك الإقليمي بين الرياض وطهران، والذي ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الساحة اللبنانية، وذلك في ظل غياب أي مؤشّرات عن تسوية مرتقبة على هذا الصعيد، فيما تسلك التسوية السياسية في سوريا مساراً شاقاً وصعباً بانتظار ما ستؤول إليه لقاءات المعارضة السورية مع وفد النظام السوري في نيويورك، والتي ستشكّل إمتحاناً للتسوية بعدما تغيّرت المعادلات في المنطقة نتيجة الخلاف السعودي ـ الإيراني.
وكشفت المصادر ذاتها، أن توقّعات عدّة تشير إلى عملية إعادة رسم للخارطة السياسية في المنطقة ستؤدي إلى فرز تحالفات جديدة، مما يعني متغيّرات ميدانية تؤسّس لمرحلة مختلفة عن كل المراحل السابقة، وأكدت أن لبنان، وعلى الرغم من استقراره من الناحية الأمنية، فهو الساحة الأكثر دقّة وحساسية نظراً لتأثّره المعادلات الإقليمية الجديدة والتي ستترجم تجميداً طويلاً لكل ملفاته الداخلية. وأضافت أن معلومات ديبلوماسية تتحدّث عن وجود مخاوف من أن يشكّل هذا الوقت «الضائع» منطلقاً لاهتزازات أمنية محدودة واغتيالات سياسية بسبب الإنشغال الإقليمي والدولي بالملف السوري. وأوضحت أن هذه المخاوف قد تم إبلاغها إلى القيادات السياسية والأمنية، وشكّلت حافزاً أمام الجميع للعمل على تحصين الساحة الداخلية بكل الوسائل المتاحة، وذلك من خلال الحوار وتفعيل مجلس الوزراء من جهة، والتدابير الأمنية الإستثنائية من جهة أخرى.