حضت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني والمفوض الأوروبي للسياسة الأوروبية للجوار ومفاوضات التوسع يوهانس هان جميع الشركاء في المنطقة على النظر بعين نقدية إلى السياسات والممارسات الحالية التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في جواره. وتتم هذه المراجعة الشاملة للسياسة الأوروبية للجوار في إطار روحية شراكة قوية بنيناها على مر السنين جعلت علاقاتنا بجيراننا في الشرق والجنوب عميقة، ومصالحنا مشتركة، وقيمنا سائدة خارج الحدود التي تجمعنا.
من الواضح بالنسبة إلى القيادة الجديدة في بروكسل أن السياسة الأوروبية للجوار لم تحمل دائماً إجابات مناسبة للتطلعات المتغيرة لشعوب الجوار، بما في ذلك في لبنان. وعليه، فإن الدعوة في الأشهر الأربعة المقبلة موجهة الى شركائنا، وللحكومة وموظفي القطاع العام، ومجلس النواب، والسلطات المحلية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وقطاع الأعمال، وأي مواطن للمشاركة في الاستشارات المفتوحة (eeas.europa.eu/delegations/lebanon/documents/news/consultation_ar.pdf).
وتوخياً للسهولة، تم تحديد أربعة مجالات تفكير تمحورت على مجموعة من الأسئلة:
1 – ما الذي يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي لزيادة نطاق التمييز في الطريقة التي نعمل بها مع شركائنا؟ بتعبير آخر، هل يجري الإقرار بالقدر الكافي بأن بلدان الجوار متنوعة جداً، وهل نحن قادرون بما يكفي على تكييف قوانينا وإجراءاتنا وفق متطلبات الشركاء الذين نعمل معهم؟ ينطلق هذا السؤال من أن الاتحاد الأوروبي كان يعتمد في الماضي المقاربة نفسها بالنسبة إلى الشركاء في الجوارين الشرقي والجنوبي. واليوم، هل يريد فعلاً بلد معين، على أساس تطلعات شعبه، الالتزام فعلياً بمجموعة من القواعد واحترامها؟ هل تريد القيادة تحديث الأنظمة وتكييفها لتحقيق “الشراكة” الفعلية مع الاتحاد الأوروبي؟ هل يريد جيران الجيران مساعدة شركائنا في المضي قدماً في برنامج للسلام والأمن وبناء الدولة؟
2 – كما قالت قيادة الاتحاد الأوروبي دائماً، يعود القرار للبلدان. ويعود القرار للشعوب. القصد من الجوار قيام شراكة بين متساوين. فسياساتنا ومبادراتنا ليست حكراً على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، بل إن الدولة الشريكة هي أيضاً معنية بها. وهذا هو التبني والمسؤولية اللتان يدعو إليهما الاتحاد الأوروبي منذ أعوام عدة، خصوصاً في لبنان. ويجب أن تكون الحكومة محرك سياساتها ومبادراتها. ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يسهل هذا الأمر، وإنما من دون أن يكون المحرك، لأن هذا ليس دوره.
3 – لا يمكن بطبيعة الحال لأي سياسة أو خطة عمل، مهما كانت درجة تفصيلها، أن توصف “بالعظيمة” و”الرائدة” و”السباقة”، ما لم تحقق نتائج ملموسة وتغييرات إيجابية في الحياة اليومية للشعوب. لذلك يتمحور مجال التفكير الثالث على المجال الذي يمكن التركيز عليه في أفضل شكل. ولا يمكن أن نتوقع أن الاتحاد الأوروبي قادر على تغطية كل قطاع والعمل مع كل شريك. وبالنسبة إلى البلدان التي تمتلك الرغبة والقدرة، يجب أن نستمر في التعاون الواسع النطاق معها، ومساعدتها في الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي. لكن بالنسبة إلى البلدان العاجزة عن ذلك، أو التي لا ترغب في الالتزام مع الاتحاد الأوروبي إلى هذه الدرجة، قد ننظر في أشكال أخرى من التعاون. وكانت التجارة والتنقل مجالي تركيز تقليديين في بعض بلدان الجوار، وإنما ليس في لبنان للأسف. هنا ربما أمن الطاقة أكثر ملاءمة إلى حد بعيد، أو التهديدات للسلام والأمن النابعة من المنطقة بالمعنى الشامل. وأميل إلى الاعتقاد بعد أكثر من أربعة أعوام أمضيتها في لبنان وبناء على التجربة الطويلة لمن سبقني، بأن لبنان قد يرغب في أن يقدم اليه الاتحاد الأوروبي المساعدة في مجموعة متنوعة من القطاعات، وبأن “التركيز” مسألة دونها صعوبات. وسيكون الأمر كذلك تحديداً بما أن لبنان استخدم أوسع مجموعة من الآليات والدعم التي وفرها الاتحاد الأوروبي للجيران في الجوار الجنوبي. ويظهر هذا إبداع الشعب اللبناني وحماسته للعمل مع الاتحاد الأوروبي. لكن ما زال علينا العمل معاً حيث يمكن إحداث تغيير حقيقي.
4 – من الواضح بالنسبة إلى بعض البلدان الشريكة أن على الاتحاد الأوروبي التحلي بمزيد من المرونة. فمنذ أن بدأ لبنان يتأثر بالأزمة في المنطقة، تكيف الاتحاد الأوروبي وسوف يستمر قدر الإمكان في التكيف مع الحاجات المتبدلة أكثر من أي وقت مضى. لكن ما زال هناك بالتأكيد مجال أكبر للتحسين عندما يتعلق الأمر بالمرونة، والعناصر الأخرى المذكورة أعلاه، وأي اقتراح آخر قد يقدمه شركاؤنا. ويجب أن يتوافر لدينا إطار يراعي الغاية المتوخاة منه، ولذلك نتطلع إلى تلقي مساهمات شركائنا في ما يتعلق بمراجعة السياسة الأوروبية للجوار. وأعرب رئيس مجلس الوزراء تمام سلام عن اهتمامه الصادق بالعمل مع الاتحاد الأوروبي على تحديد الحاجات والأولويات. وأجرى وزير الخارجية جبران باسيل استشارات لهذه الغاية مع جميع الدول العربية الشريكة. وستقام جولة أولى من الاجتماعات في برشلونة في 13 نيسان، وقد سلمت الدعوة إليها للوزير باسيل برفقة سعادة السفيرة الأسبانية ميلاغروس هرناندو إيشيفاريا. فرفاهنا اليوم ورفاهنا في المستقبل مترابطان بشكل وثيق، وتقضي مصلحتنا المشتركة بجعل بلداننا أماكن أكثر أمناً وأفضل للعيش.