لم يلقَ قرار البرلمان الأوروبي الذي دعا الى إبقاء النازحين السوريين في لبنان، بدلاً من مساعدته من قبل الإتحاد الأوروبي على إعادتهم الى بلادهم، المعارضة الكافية له من المسؤولين اللبنانيين، رغم بعض المواقف التي ندّدت به، وشروع عدد من النوّاب الى إصدار عريضة شديدة اللهجة الى الأوروبيين، لا سيما وأنّ القرار يُنافي ما سبق وأن سمعه بعضٌ منهم خلال زيارتهم الأخيرة الى بلجيكا، من بعض نظرائهم الأوروبيين أنّهم سيُساعدون دول الجوار، ومن ضمنها لبنان، على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، كون استضافتهم حتى في الدول الأوروبية تُكلّفها أضعاف تكاليف عودتهم الى سوريا.
وذكّر هذا القرار باللغة الإستعمارية التي اعتُمدت طويلاً مع لبنان أيّام الإنتداب الفرنسي، الذي لم يكن قد أصبح بعد «دولة» تتمتّع بكامل سيادتها واستقلالها. أمّا أن يتخذ البرلمان الأوروبي اليوم مثل هذا القرار، الذي يُعتبر تدخّلاً سافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية، وفق مصادر سياسية عليمة، وإن كان لبنان يُطالب الدول الأوروبية والمجتمع الدولي بمساعدته على حلّ هذه الأزمة، فهو أمر لا يحقّ للإتحاد الأوروبي ولا للدول المانحة ولا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين باتخاذه نيابة عن لبنان.
فطلب المساعدة شيء، واتخاذ القرار بدلاً من المسؤولين اللبنانيين والشعب اللبناني شيء آخر، كونه يتخطّى جميع الأعراف والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، على ما أضافت المصادر، ويصبّ في إطار الهيمنة والسيطرة على القرار اللبناني. علماً بأنّ قرار البرلمان الأوروبي لا يُلزم الحكومة اللبنانية بتطبيقه، إذ لا يمكنه فرض أي شيء عليها وعلى الشعب اللبناني. والدول الأوروبية تعلم بالتالي بأنّ لبنان «ليس بلد لجوء»، على ما هي عليه بغالبيتها، ودستوره يرفض «التوطين»، الأمر الذي لا يُمكنه أن يحصل حتى ولو اتخذ البرلمان الأوروبي مئات القرارات المماثلة.
غير أنّ وقوف لبنان موقف الصامت والمتفرّج على قرار البرلمان الأوروبي، الهادف الى توطين النازحين السوريين في لبنان، على ما ذكرت المصادر، يعني «الموافقة» على هذا الأمر الخطير. وقد اقترحت مفوضية اللاجئين أن يُصار الى «توطين» أو الى إبقاء مليون و600 ألف نازح سوري في لبنان من خلال منحهم إقامات دائمة. وصوّتت الدول الأوروبية على القرار كونها تُريد التخفيف من أعداد النازحين السوريين لديها، لما لهذا الأمر من مخاطر أمنية وإقتصادية على دولها من وجهة نظرها. ومن المستغرب أنّ حكومة تصريف الاعمال أو الديبلوماسية اللبنانية لم تتحرّك بعد تجاهه كما يجب حتى الساعة لوقفه، ولمنع اتخاذ قرارات شبيهة له في المرحلة المقبلة. مع العلم بأنّ أكثر من 90 % من المناطق السورية باتت آمنة، ما يعني انتفاء سبب نزوح السوريين الى لبنان، ويجعل عودتهم إلزامية.
من هنا، فإنّ صدور مذكرة نيابية شديدة اللهجة ورفعها الى البرلمان الأوروبي، هو خطوة جيّدة، لكنها تبقى غير كافية، على ما عقّبت المصادر، لأنّه قرار غير محقّ من هذا النوع، يستدعي عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء واتخاذ قرار حاسم، فضلاً عن استدعاء وزير الخارجية لسفراء الدول الأوروبية التي صوّتت على هذا القرار، باستثناء كلّ من إيطاليا وإسبانيا وهنغاريا التي لم تؤيّده، والتي يجب على الحكومة شكرها والتنويه بموقفها هذا الذي يتوافق مع القرار الرسمي اللبناني.
وعن اتهام اللبنانيين بالعنصرية، سيما وأنّ القرار الأوروبي اتهم الشعب اللبناني بالسماح للخطاب المعادي للنازحين السوريين بالتصاعد، تقول المصادر بأنّ العنصرية الفعلية تكمن في اتخاذ قرار عن دولة أخرى، يقضي بالقضاء على كيانها وشعبها وتغيير ديموغرافيتها، وعدم قبول طلبات لجوء النازحين، ومعالجة هذه المشكلة الخاصة بالدول الأوروبية على حساب لبنان. وما حصل في السابق من محاولة توطين الفلسطينيين في لبنان وجرى إفشاله، سيتكرّر اليوم مع النازحين السوريين لأنّ بقاءهم هنا، يعني تدمير النسيج اللبناني والتعداد السكّاني اللبناني. فمليونان و500 ألف نازح يُصبحون بعد سنوات أكثر من الشعب اللبناني. وهذا أمر لا تقبل به أي دولة في العالم، فلماذا يريدون فرضه على لبنان؟ علماً بأنّ مكتومي القيد من السوريين غير المسجّلين، يُشكّلون بعددهم الكبير، قنبلة موقوتة في حال لم يتمّ حلّ مشكلة النزوح وإعادتهم الى سوريا.
غير أنّ عدم السماح ببقاء النازحين السوريين في لبنان يستدعي، على ما شرحت المصادر نفسها، تكثيف الجهود اللبنانية باتجاه النظام السوري، وإنجاز آلية العمل بين الوفد الرسمي اللبناني الذي سُمي للذهاب الى سوريا رغم استقالة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب منه، والوفد السوري، على أن تقوم الوزارات المعنية بما هو مطلوب منها. فوزارة الخارجية عليها استكمال الإجتماعات الثلاثية بين لبنان وسوريا ومفوضية اللاجئين، التي يدعوها الإتحاد الأوروبي الى منع عقد مثل هذه الإجتماعات، والى ترهيب النازحين بهدف عرقلة عودتهم الى بلادهم، بدلاً من مساعدة لبنان على تسهيل هذه العودة.
أمّا لبنان الذي يرزح تحت عبء الفقر والحاجة والعوز، الى كلّ الخدمات والمستلزمات اليومية والإستشفائية، فلا يرى الإتحاد الأوروبي أنّ استضافته للنازحين على أراضيه التي كلّفت الخزينة اللبنانية أكثر من 40 مليار دولار على مدى 13 عاماً، هو كرم أخلاق وحسن ضيافة، رغم أنّه عبء كبير يُضاف الى أعباء الدولة، إنّما «عنصرية وتعصبّأً». وهذا أمر مستغرب، تضيف المصادر ، كون الدول الأوروبية لطالما شكرت لبنان وثمّنت استضافته لهذا العدد الكبير من السوريين الذي يفوق نصف شعبه، الأمر الذي لم تقم به أي دولة في العالم رغم إمكاناتها المالية والمادية الضخمة.