Site icon IMLebanon

قرار البرلمان الأوروبي والسوريّون في لبنان: الأولويّة لمن؟

 

أثار قرار البرلمان الأوروبي الصادر بتاريخ 12 تموز الحالي حول الوضع في لبنان، مصير السوريين المهجّرين إلى لبنان خلال السنوات العشر الماضية، حيث شهد الوضع في سوريا أحداثاً دامية أدّت إلى تهجير عدد كبير من السكّان يعدّون بالملايين إلى خارج سوريا، ولا سيما إلى الدول المحيطة بسوريا وفي طليعتها بالتأكيد الجمهوريّة اللبنانيّة. وبحسب وسائل إحصائيّة، وصل هذا العدد إلى حدود المليوني لاجئ. الأمر الذي شكّل عبئاً ثقيلاً على لبنان وأسهم في خلق صعوبات واضطرابات في أوضاع لبنان الأمنيّة والاقتصادية والمالية والسياسية وزاد في حالة البؤس التي يعانيها اللبنانيون.

 

فما هي مندرجات هذا القرار؟ وما هي ردود الفعل عليه لدى اللبنانيين؟ وما هو الحكم الجيو- سياسي الصحيح لمثل هذا القرار؟

 

أولاً: مندرجات القرار الأوروبي

 

وردت هذه المندرجات في البند الثالث عشر من نص قرار البرلمان الأوروبي وفيها أربعة مطالب:

 

1 – تأمين العودة الطوعية والآمنة للنازحين السوريين واعتبار أنّ شروط هذه العودة غير متوافرة حتى الآن.

 

2 – الحاجة إلى توفير تمويل كافٍ للمؤسسات التي تُعنى بشؤونهم.

 

3 – دعوة مفوضية اللاجئين إلى العمل على تحسين الوضع الانساني داخل سوريا من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة النازحين.

 

4 – دعوة لبنان إلى عدم ترحيل النازحين. وإلى انضمامه إلى اتفاقيات الأمم المتحدة حول اللاجئين والاعراب عن القلق للخطاب اللبناني المناهض لوجودهم في لبنان وتشكيل فريق عمل دولي يضم: الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولبنان لمعالجة قضية اللاجئين وإستمرار تمويل الدعم لهم.

 

ثانياً: في ردّات الفعل لدى اللبنانيين

 

تراوحت ردّات الفعل على قرار البرلمان الأوروبي بخصوص السوريين في لبنان بين الشجب الكامل والرفض المبرر على عدّة مستويات وطبقاً للجهة الرافضة وانتماءاتها السياسية. ذلك أنّ موقفاً كمثل هذا القرار يصعب بل يستحيل قبوله جملةً وتفصيلاً نظراً لانعكاساته السلبية على الوضعيّة اللبنانية ليس في وجوهها السياسية الظاهرة فحسب، بل في اعماقها الكيانيّة.

 

على أنّ الاشكالية في القرار تكمن في كونه مؤلفاً من قسمين، قسم يتعاطى بإيجابية ظاهرة مع القضية اللبنانية، بحيث يعرض لمجمل المشاكل التي يعاني منها وطن الأرز وضرورة تصحيحها وايجاد الاصلاحات اللازمة لها وللمسؤولين فيها، وبالتالي يبدو البرلمان حريصاً جداً على كيان لبنان ودولته وشعبه مشيراً إلى المسائل التي ينبغي تصحيحها داخل مختلف السلطات السياسية والمالية والاقتصاية والادارية، وأكثر من ذلك مهدداً القوى التي تعيق حركة الديمقراطية اللبنانية بتدفيعها الثمن. وبعد هذه الصورة الايجابية يعود البرلمان، كما أسلفنا، في مادته 13 إلى مقاربة وضع السوريين في لبنان بما يخسف هذه الصورة الأولية.

 

والحقيقة التي ينبغي أن تقال وتعلن هي العودة إلى ما يشبه التناقض في موقف البرلمان الأوروبي. إذ كيف نفسّر هذا الاختلاف في الموقف من لبنان أولاً ثم في الموقف من وجود السوريين في لبنان ثانياً؟

 

هذا السؤال يعيدنا إلى أجواء كتابنا الذي أصدرناه عام 2016 وعنوانه، استهداف أهل السنّة… وقد لاقى اهتماماً في العالم العربي!

 

1 – باختصار كلي إنّ تهجير السوريين من العرب السنّة من بلادهم بأعداد كبيرة بالملايين تعود إلى معضلة أساسية وهي قوّة تأثير الأكثرية العربية السنيّة وخاصة في المشرق العربي وتحديداً في جوار اسرائيل.

 

2 – تشكّل سوريا، حالة ديمغرافية خاصة. فهي من الدول القليلة في العالم التي يتضاعف عدد سكانها كل عشرين سنة. وهم سكّان يشكّل العرب السنّة فيهم نحو 75% من السكّان أي ما يقارب 17 مليون نسمة.

 

3 – إنطلاقاً من الفكر الجيو- سياسي الحديث القائم على قاعدتين: الأولى، أنّ الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ. والثانية، أنّ أهل السنّة سيكونون الديانة الأولى في العالم. وهم سيشكلّون خطراً على الدول المناهضة لهم والمحيطة بهم منها دولة اسرائيل.

 

4 – إن اسرائيل بدأت تجري الحسابات حول الخطر الذي يقترب منها بفعل بطون النساء الحوامل المسلمات اللواتي يبلغ معدل الخصوبة لديهنّ بين 4-7 بالمئة في حين أنّ هذه النسبة ليست سوى اثنين بالمئة لدى النساء اليهوديات. هذا الأمر يؤرق الاستراتيجيّين اليهود حول مصير دولتهم في المستقبل حين تصبح مهددة من الديمغرافية العربية السنيّة، وهي ديمغرافيا سورية بشكل مباشر. لذا صار عليهم إبعاد هذا الخطر عنهم!

 

5- إنّ ابعاد هذا الخطر يكون بتهجير العرب السنّة من سوريا إلى دول العالم قريبها (مثل لبنان) وبعيدها مثل اليونان والدول الأوروبيّة. وفي ضوء هذا الهدف نفهم لماذا وقعت أحداث سوريا وما هي أهداف الحرب في سوريا. الهدف الأساسي هو طرد أكبر عدد من العرب السنّة وإبعادهم عن المدى الاسرائيلي.

 

6 – يستتبع ذلك السعي لقيام دويلات صغيرة أقلّوية في المنطقة يهودية- علوية- درزية- شيعية- كردية- مسيحية وهكذا لا تعود اسرائيل جسماً غريباً في المنطقة، بل تصبح وكأنها جسم طبيعي شأنها شأن بقية الدول مع اضافة اساسية وهي انها غير مهددة من الأكثرية العربية السنيّة السورية.

 

ثالثاً: المعنى الجيو- سياسي لقرار البرلمان الأوروبي

 

1 – الرأي العام يعتبر أنّ المهجّرين هم عملياً مهجّرون بسبب الحرب في بلدهم. لكن ما حدث في سوريا هو العكس تماماً. أي أنّ الحرب وقعت بهدف تهجير العرب السنّة. فالتهجير سبب للحرب وليس نتيجة لها.

 

2 – إنّ هذا التهجير مرتبط بالمصلحة الوجوديّة لدولة اسرائيل، لذلك كان موقف البرلمان الأوروبي مع لبنان في مختلف الأمور الداخلية والخارجية. ولكن عندما تدخل مصلحة اسرائيل في الموضوع يختلف الأمر ولا يعود لبنان أولاً، بل تصبح اسرائيل أولاً ولبنان ثانياً.

 

إن الموقف من المهجّرين السوريين في لبنان هو التعبير العلمي عن هذه المعادلة في سياسة البرلمان الأوروبي. وهنا المعنى الجيو- سياسي لقرار هذا البرلمان!!