تصوت الجمعية الوطنية الفرنسية في 28 الجاري على مشروع قدمه نواب من الغالبية الاشتراكية يطالب باريس بالاعتراف بدولة فلسطين ويستبق تصويتاً آخر مرتقباً في مجلس الشيوخ الفرنسي في 11 كانون الاول المقبل في الاتجاه نفسه. وبالنسبة الى كثر تأخرت فرنسا بالذات عن سلوك خطوة تعتبر رمزية كون هذا التصويت غير ملزم للحكومة الفرنسية ويأتي بعد خطوة مماثلة لمجلس العموم البريطاني في 13 تشرين الاول الماضي بدولة فلسطين واعتراف السويد في 30 الشهر الماضي بهذه الدولة. وثمة فارق بين اعتراف السويد كحكومة منتخبة بدولة فلسطين والتصويت الرمزي في بريطانيا وفرنسا على رغم الضجة التي اثارتها اسرائيل على موقف السويد وكذلك موقفي بريطانيا وفرنسا. اذ ان المسؤولين الاسرائيليين يرفعون الصوت لادراكهم ان لهذا التصويت تأثيره المعنوي بما يعنيه من رفض للسياسة التوسعية الاستيطانية التي تنتهجها حكومة بنيامين نتنياهو والرسالة التي تحاول الدول الغربية ايصالها في هذا الاتجاه حول عدم القدرة على استمرار القبول بتجاهل نتنياهو قضم الاراضي الفلسطينية بالتزامن مع عرقلة جهود التوصل الى سلام مع الفلسطينيين. كما يدركون جيداً ان الولايات المتحدة لا تزال تدعم موقفهم لجهة ارتباط اقامة الدولة الفلسطينية باتفاق سلام مع اسرائيل على رغم توتر العلاقات اخيراً بين واشنطن وحكومة نتنياهو.
الأهمية التي يكتسبها التصويت البرلماني في بعض الدول الاوروبية باستثناء السويد الذي يعد اعترافها رسميا ان الدول الاوروبية تقارب لاول مرة مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على رغم انه في العام 1988 ولدى اعلان استقلال دولة فلسطين في الجزائر أعلنت اكثر من 100 دولة اعترافها بها لكن من غير الدول الاوروبية. وهذه المقاربة الاوروبية تندرج حتى الآن وفق ما يقول الخبير والاستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري في اطار النيات الحسنة اذ ان الموضوع يتمحور حول سؤال هو ما اذا كان الاعتراف ياتي بمثابة وعد او هو مشروط بالاتفاق مع اسرائيل اي ان الاعتراف هو مجرد اعلان رمزي يعود قراره في نهاية الامر الى اسرائيل متوقعا ان لا تسمح الولايات المتحدة الاميركية باعترافات غير مشروطة بدولة فلسطين.
وتاليا فان السؤال هو هل ان الاعترافات الاوروبية الرمزية مبالغ بها بحيث تعطى ابعادا اكثر مما هي في الواقع او ان لها مفاعيل عملية يمكن البناء عليها فعلاً؟
بعض الديبلوماسيين يعطون اهمية لهذه الخطوات ولو من زاويتها الرمزية حتى الآن من باب ان هذه الرسائل قد لا تزعج الولايات المتحدة في العمق، ولو ان واشنطن علقت على خطوة السويد بالاعتراف بدولة فلسطين ان هذا الاعتراف سابق لأوانه ولم تكن تريده ربما على هذا المستوى بل على المستوى التمهيدي ربما بالاعتماد على تصويت البرلمان كخطوة اولى، باعتبار ان العاصمة الاميركية لم تخف انزعاجها على ما فعلت أخيراً حكومة نتنياهو من اجهاض لجهود استئناف مفاوضات السلام في موازاة مواصلة اسرائيل سياسة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة من دون نجاح الضغوط الاميركية في ردع اسرائيل. ومن هذه الزاوية فان المواقف الاوروبية التي لا يعتقد انها قد تخرج على السقف الاميركي اي لجهة الاعتراف رسميا بدولة فلسطين والتصادم مع اسرائيل تشكل رسالة قوية نسبياً الى اسرائيل بوجوب الموافقة على حل الدولتين والكف عن عرقلة فكرة حل الدولتين. وهذه الدول ستتذرع دوماً بالخشية من اي اعتراف رسمي بدولة فلسطين سيؤثر سلفاً على المساعي الدولية للتوصل الى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية. فالاعتراف مع انه عمل سياسي الا انه تترتب عليه كما يقول الدكتور المصري مفاعيل سياسية وديبلوماسية لا تقتصر على اقامة علاقات ديبلوماسية بين الدول المعترفة والدولة المعترف بها فحسب بل ثمة مفاعيل اخرى ايضا لا تترتب من مجرد اعلان رمزي. وتالياً فان المواقف الاوروبية هي رسائل تعبير عن انزعاج من سياسة اسرائيل بالتزامن مع تعبيرها عن سياسة عجز وعدم قدرة اقله حتى الآن على التأثير فعلا باستثناء توجيه رسائل ضاغطة قد تكون لها مفاعيل معينة لجهة اعطاء الانطباع بتراجع الدعم لاسرائيل وتراجع تفهم اعتباراتها في مقابل السياسة الظالمة وسياسة العنف في مواجهة الفلسطينيين ومواجهتها بالمزيد من الانتقادات وربما اشعارها ببعض العزلة نتيجة مواقفها المتطرفة.
لذلك فان الضجة الاعلامية والسياسية المرافقة للمواقف الاوروبية المستجدة تظهر مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في اطارها الرمزي كأنها بدل عن ضائع في زمن الجمود الكلي لمفاوضات السلام المتوقفة كليا بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي باعتبار انه ليس واضحا اذا كان هذا الضغط يمكن ان يؤدي الى استئناف هذه المفاوضات او الى تجميد سياسة الاستيطان الاسرائيلية او وقفها. واذا كان الاعتراف الرسمي مرتبطاً بالمفاوضات واتفاق السلام مع اسرائيل فان لجوء السلطة الفلسطينية الى مجلس الامن خلال هذا الشهر من اجل تغيير وضع الدولة الفلسطينية او تقديم مذكرة بانهاء الاحتلال الاسرائيلي خلال 3 سنوات كما تردد لن يؤدي الى نتيجة ويخشى ان يعطي مفاعيل تضعف من رمزية الخطوات الاوروبية لان اي خطوة امام مجلس الامن لن تكون مجدية راهنا وستقابل بالرفض.