Site icon IMLebanon

تقرير أوروبي: بدء مرحلة «تحريك» الحلول في المنطــقة بعد «مرحلة ستاتيكو»

كيف تَبدو احتمالات تطوّرات المنطقة من منظار كواليس سياسية في الاتحاد الأوروبي، وذلك في ظلّ ما حصل أخيراً من تطوّرات انفراجية عالمية مهمّة؟ والمقصود بهذه التطورات حصراً، حصول انفراج في العلاقات الاميركية مع الصين وروسيا، ووجود قرار حاسم بإنجاز الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي (التقرير موضوع قبل أيام من تفاهم فيينا).

هذا السؤال كان عنوان تقرير وصَل بداية هذا الشهر إلى مرجع سياسي لبناني، وقد تضمَّن معلوماتٍ منسوبة إلى مسؤول رفيع في الاتحاد الاوروبي يقع ملف الأوضاع في المنطقة ضمن مهماته.

ماذا في التفاصيل؟

يُمكن تلخيص فكرة التقرير الأساسية بأنها تلفت الى ملاحظة بدء مسار نقل السياسة الدولية والإقليمية تجاه أحداث سوريا وليبيا والعراق ومحاربة «داعش»، من «مرحلة ستاتيكو» الجمود والفشل المستمرة منذ اربع سنوات الى بدء «مرحلة تحريك» هذا الوضع الآسن عبر مبادرات توجد أفكار أولية في شأنها، ويحتاج أمر تجسيدها بسياسات عملية الى مزيد من التشاور الدولي والإقليمي.

ما هي مؤشرات الانتقال الدولي الى مرحلة «تحريك الحلول»، حسب ما رصدها التقرير؟

أولها، الزيارة السعودية الاخيرة (برئاسة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان ووزيرَي الخارجية والطاقة ومسؤولين في الاستخبارات السعودية) الى موسكو التي شكلت «فاتحة للعبة مختلفة في المرحلة الجديدة».

ثانيها، نضوج القرار الدَولي بالتوصّل إلى اتفاق حول البرنامج الايراني النووي.

ثالثها، ظهور اصطفاف دولي غير مسبوق وراء دعم مهمة ستيفان دو ميستورا.

رابعها، تحسّن مستجدّ في العلاقات الاميركية مع كلٍّ من روسيا والصين التي باتت أفضل كثيراً مما كانت عليه منذ ستة اشهر.

ويلفت التقرير الى أنّه نتج عن هذا التحسن نيل موسكو نوعاً من التفويض الغربي بقيادة واشنطن، للمضي قدماً في مساعيها لحلّ الازمة السورية. وكانت موسكو دعمت على مدى الاشهر الماضية ثقة الغرب بها وسيطاً جدّياً لحلّ الازمة السورية وذلك من خلال ممارستها فعاليات ضغط غير مسبوقة على النظام السوري لجعله أكثر مطواعية لأجندة شروط بدء حوار الحلّ السلمي، وليس القطيعة معه او التخلّي عن حمايته.

تمَثل بعض هذه الفعاليات بتقصّد موسكو تقنين تزويد النظام السوري أسلحة تُعتبر حيوية في معركته مع المعارضة المسلحة، مثل قطع غيار وقذائف دبابة «ت 72» ذات الدفع الآلي بخمس طلقات والتي تُعتبر حيوية ضمن منظومة أسلحة الجيش السوري.

خامسها، وصول الروس والأوروبيّين والأميركيين إلى تفاهم على ضرورة دعم أيّ مبادرة جديدة لدوميستورا تؤدي من جهة إلى رعاية حلّ سياسي، ومن جهة ثانية إلى تبنّي استراتيجية لمواجهة الإرهاب.

ويبقى من المهم بالنسبة إلى إنجاح هذا التفاهم هو تجميع القوى الإقليمية لتبنّي هذا المسار، وأيضاً نيل قبول الحكومة السورية بهذا التوجّه، وهذا ما يعمل الروس على تأمينه.

ويشير التقرير الى وجود حال انتظار لدى جميع الأطراف الوازنة في الاحداث السورية، لمعرفة مضمون ما سيقدمه دو ميستورا في تقريره في الامم المتحدة في نيويورك قريباً، ومدى تناغم ما سيطرحه مع جهود وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المنتظر حضوره في نيويورك في المناسبة نفسها.

علماً أنّ هناك احتمال ارجاء تقديم دو ميستورا بيانه الى نهاية الصيف إذ ظهرت حاجة لإجراء مزيد من الاتصالات؛ ذلك أنّ مسار الحلّ السوري ليس ناضجاً بعد وهو يحتاج مبادرات يتم انتظار وقائعها وردود الفعل عليها، وذلك ابتداءً ممّا سيطرحه دو ميستورا في نيويورك، وصولاً الى معرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لتحقّق الفكرة الروسية حول تشكيل تجمّع إقليمي داعم للحلّ لمكافحة الارهاب في آن، يضمّ دولاً مثل السعودية والاردن وتركيا ومصر، وهو السياق الذي يقوم الروس حالياً برضى (او تكليف) غربي، بتعريبه إقليمياً والحصول على وعد من دمشق بأنها مستعدة للتعاون. وهذان شرطان تنشغل موسكو في تأمينهما بالتوازي مع استعداد دو ميستورا لإلقاء بيانه في الامم المتحدة.

لماذا تغيّرت مقاربة الغرب؟

يتحدّث التقرير عن طريقة تفاعل الرؤية الأوروبية مع هذا التوجّه الجديد لتجميع قوى الاقليم لمحاربة «داعش» وتأمين غطاء للحلّ السياسي وضمان تنفيذه. فيقول إنّ الاجندة الأوروبية بحسب آخر تعديلاتها باتت تتضمّن اضافة الى الازمة اليونانية، نظرة موحّدة الى أزمات المنطقة بصفتها أزمات مترابطة من ليبيا الى سوريا فالعراق واليمن وصولاً الى الملف النووي الايراني.

وأهمية هذا التعديل في الرؤية الأوروبية أنّه حصل تحت وطأة عامل أساسي وهو شعور الأوروبيّين بأنهم أهملوا الأوضاع في المنطقة حتى وصلت الى ما هي عليه الآن من الخطورة، وكان يجب التدخل منذ فترة ابكر.

ويُحدّد التقرير النقطة الجوهرية التي جعلت مقاربة الغرب تتغيّر تجاه طريقة معالجة أزمة الارهاب في سوريا والمنطقة، فيقول: كان السؤال في الغرب سابقاً، ماذا سيحصل في اليوم التالي لسقوط النظام؟

وبات السؤال اليوم: ماذا سيحصل في اليوم التالي بعد الوصول الى اتفاق حلّ سياسي؟ مَن سيضمن التنفيذ؟ وكيف سيتعاون المتفقون والدول الإقليمية والمجتمع الدولي على محاربة الإرهاب والإنتهاء من ظواهره على الأرض السوريّة لضمان تنفيذ الحلّ السياسي؟

السؤال نفسه مطروح في خصوص ليبيا واليمن. في البداية اعتقدَ الأوروبيون أنّ ليبيا أولوية أوروبيّة ويجب حلّها أولاً. والآن وصلوا الى اقتناع بأنها مرتبطة مباشرة بما يحصل في سوريا والعراق ومصر وتونس.

ففي ليبيا حتى إذا توصّل الطرفان الأساسيان إلى اتفاق، فإنه لن يكون بمقدورهما تنفيذه، بسبب وجود مناطق شاسعة تحت سيطرة الإرهابيين من خارج الطرفين. وهذا الوضع يطرح السؤال الأساس وهو: مَن سيضمن تنفيذ ونجاح أيّ اتفاق سياسي من دون رؤية شاملة لمواجهة الإرهاب في المنطقة ككل؟

وفي إسقاطٍ للسؤال – المعادلة الآنفة على الازمة السورية، يرى التقرير أنّه لم يعد مهماً مَن سيجلس الى الطاولة مقابل الحكومة السورية. فيمكن تشكيل فريق من المعارضة العلمانية المعتدلة المقبولة، وذلك تلبية لحاجات الشكل فقط. ولكن الحاجة الملحَّة حالياً هي لإنتاج دو ميستورا أفكاراً عملية جديدة لتجميد القتال في مناطق معينة وفرض الأمن فيها ليشكل ذلك بداية انطلاق قطار الحلّ السياسي، حتى لو لم يكن معروفاً في هذه المرحلة الى أين قد يصل، لكنّ الحركة ضرورية لكسر «ستاتيكو» الفشل.

ويضيف التقرير أنّ الموقف من سوريا تخطّى الشروط السابقة بالتنحّي المسبَق للرئيس وإسقاط النظام كمقدمة لبدء الحلّ. هناك إقرار أوروبي وغربي بالمسؤولية عن ترك الامور تصل الى ما هي عليه، وهناك تفهّم لأن يبدأ الحلّ السياسي مع النظام والرئيس.

لم تعد الاولوية لقضية ما اذا كان الشخص حاضراً أم لا، ولا حتى لشكل الإتفاق على النظام الجديد في سوريا. فهذا سهل تحقّقه من خلال رعاية دولية واقليمية منسجمة لحوار مغلق بين السوريين، سواءٌ في جنيف أو أيّ مكان آخر.

لكنّ الهمّ الأساس اليوم، هو مَن سيضمَن تنفيذ أيّ اتفاق يتمّ التوصل اليه على الارض، بما في ذلك وقف النار، وإعادة المهجّرين والنازحين، وتطبيق القانون، وتنفيذ الإصلاحات السياسية التي يتفق عليها، وتنفيذ خطة واسعة لإعادة الإعمار؟

هناك عدم ثقة بقدرة الأطراف المحلية على ذلك بمفردها، ويتمّ في هذا الاطار استذكارُ تجربتي أفغانستان والبوسنة، وكلتاهما تؤشران الى ضرورة أن يكون هناك حضور لقوة ما على الأرض تستطيع تأمين تطبيق هذه الأمور. لكن مَن هي تلك القوة؟

في البوسنة، البلد الصغير الذي قتل فيه 200 الف مواطن، أرسل حلف «الناتو» 60 الف جندي لضمان تطبيق الإتفاق السياسي. وفي سوريا هناك حاجة لأكثر من 300 الى 400 الف جندي لتحقيق ذلك. لكن من أين يتمّ توفيرهم؟ فالأميركيون والأوروبيون و»الناتو» لا يريدون الدخول في مغامرة كهذه. يبقى الروس والصينيون وبعض العرب؟

ويكرّر التقرير تأكيده الفكرة الاساسية المستجدّة في الغرب، ألا وهي في اعطائها الاولوية القصوى للإجابة عن سؤال «مَن سيراقب ويضمن على الارض تنفيذ أيّ اتفاقات يتمّ التوصل اليها في دول المنطقة الملتهبة؟»

تقسيم سوريا

يتحدّث التقرير عن حرص أوروبي وروسي على عدم تقسيم سوريا. ويكشف أنّ روسيا طرحت أخيراً على الاتراك والسعوديين والأردنيين السؤالَ التالي: هل تريدون تقسيم سوريا؟ إذا كان جوابكم لا، فعليكم التزام التعاون مع المجتمع الدولي وجميع الاطراف بما في ذلك الحكومة السورية لمواجهة الإرهاب. وبدا أنّ هناك تجاوباً مبدئياً لدى جميع الاطراف مع طرح تجميع القوى الإقليمية لاحتواء الإرهاب وقتاله في سوريا، ولو بنسَب متفاوتة، مع ملاحظة أنّ تركيا لا تزال تناقشه ضمن مستوياتها الداخلية.

الموقف الفرنسي إزاءَ هذه المستجدات يبدو متردّداً نتيجة تأثره بعوامل عدة، بينها الإرهاب في فرنسا، والفشل في التقدم في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي الذي وصل مع الفرنسيين الى حائط مسدود.

ويدرج التقرير إمكانية تغيير وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مع نهاية السنة في حال وقّع الاتفاق النووي الايراني وظهرت نتائج عملية لتفويض موسكو، وفي انتظار ذلك ستتمهّل باريس في إجراء تغيير جدي في الخط العام للسياسة الخارجية الفرنسية تجاه المنطقة.

غير أنّ التقرير يلفت الى وجود تنسيق فرنسي ـ الماني بريطاني حيال إنجاز مقاربة مشتركة تجاه المنطقة، وموعدُ إعلانها سيكون بعد التوقيع الفعلي للإتفاق الايراني وملاحظة مدى انسجام بيان دو ميستورا مع توجهات لافروف خلال جلسة الامم المتحدة في نيويورك، علماً أنّ التقرير يكشف أنّ فرنسا أرسلت قبل نحو اسبوعين وفداً اقتصادياً عالي المستوى الى إيران للبحث في حصّتها من الاستثمار في السوق الايراني بعد رفع العقوبات الاقتصادية.

وكانت النتائج مرضية ما انعكس تخفيفاً لحدة موقفها المعارض توقيع الاتفاق النووي. في حين قطعت ألمانيا شوطاً في مدّ جسور جسّ نبض لمساهمتها مباشرة في تشجيع بدء حوار سوري.

أما موقف تركيا فيصفه التقرير بأنه مصدوم بحراك أكراد سوريا على حدودها الجنوبية الشرقية وبنتائج الإنتخابات العامة التي جرت قبل أسابيع عدة والتي كانت متوقعة أوروبياً، وهي تُعبّر عن إرادة شعبية في تغيير سياسة الرئيس رجب طيب اردوغان، وأوروبا تدعم حصولَ مثل هذا التغيير.

والآن يُجرى نقاش جدي داخل دوائر القرار التركي حول اقتراح روسيا اعتماد خيار تشكيل جهد اقليمي مشترك لمحاربة «داعش» وإنجاز حلّ سياسي في سوريا. ولكن حتى هذه اللحظة لم تبلغ أنقرة إلى روسيا موافقتها عليه. بينما السعودية والاردن ومصر أعطت إجابات منفتحة على التعاون في مجال مكافحة المنظمات الارهابية، ولو بمستويات مختلفة.

فمصر بدت قريبة من فكرة التعاون حتى مع الحكومة السورية. والأردن يبدي إشارات الى أنّه مستعد لتعاون مزدوج مع المعارضة المعتدلة والحكومة السورية في آن، لاحتواء الارهاب ومكافحة «داعش».

وموسكو تتأهّب بعد الاتفاق النووي الايراني للَعب دور في فتح الخطوط الاقليمية المقفلة بين إيران والرياض، وهذا سيساعد في تطوير موقف الاخيرة من الانخراط في تجميع القوة الاقليمية لضرب «داعش» ورعاية حلّ سوري، ليصبح اكثر قرباً من مقاربته الروسية، وسيساعد ايضاً في الضغط على تركيا لتغيير مواقفها.

لكنّ التقرير يوضح أنّ انقرة حاولت خلال الأيام الاخيرة الالتفافَ على العرض الروسي، وذلك عبر إنشاء تفاهم جديد مع اميركا تتخلّى بموجبه أنقرة عن اعتراضها على السماح للطائرات الاميركية بالاقلاع من قاعدة «إنجرليك» التركية الجوية لضرب «داعش» في سوريا، وذلك في مقابل تعهّد واشنطن بمنع أكراد سوريا من التمدّد في اتجاه جرابلس ووصل مناطقها.

المهاجرون الى اوروبا

يعتبر التقرير أنّ موضوع المهاجرين الى اوروبا ليس مشكلة للأوروبيين. فعلى رغم كلّ ما قيل ويُقال، لا تزال الدول الاوروبية من اقل الدول في العالم استيعاباً للاجانب، حيث لا يزال السكان الاصليون يشكلون اكثر من 90 في المئة من عدد السكان، وهو رقم متدنٍّ مقارنة مع الولايات المتحدة أو دول أخرى. لذلك هم يستطيعون التعامل مع الموضوع، على رغم أنّ عدد المهاجرين عبر المتوسط هذه السنّة كان 10 اضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة. لكنّ المشكلة تبقى كيف يمكن التعامل مع موضوع النازحين والمهجرين في الشرق الأوسط من الآن حتى تنضج الحلول السياسية؟

يكشف التقرير أنّ هناك توجّهاً لتوحيد الجهود الدولية في إطار واحد لحلّ هذا الموضوع، ومن الأمثلة الاستعانة بوكالة «الأونروا» لغَوث اللاجئين الفلسطينيين، غير أنّ فشل «الأونروا» في إعادة النازحين أدى الى بقائهم في دول اللجوء، ما يثير المخاوف من نتيجة مشابهة تقع على النازحين السوريين، ويؤدي الى حالٍ من عدم الاستقرار في الدول المضيفة، ولا سيما منها لبنان والاردن. والأخير يبدو أكثر معاناة من استضافته للنازحين السوريين الذين يضعونه على حافة الانفجار، خصوصاً في ظلّ نموّ مطّرد للعدائية الأردنية تجاه النازحين.

ويختم التقرير بالتأكيد على أنّ كلّ هذا النقاش المتداخل يجعل الأزمة السورية في مكان جديد لجهة المقاربة الدولية لها والتي يؤكّد جوهرها أنّه في غياب قوة دولية كبيرة لن يكون هناك ضمانة لتنفيذ أيّ حلّ سياسي يتمّ التوصل اليه.

وهذا الإقتناع الدولي المستجدّ هو المستند المادي الذي تتّكئ عليه روسيا في طرحها الراهن حول ضرورة تقوية الدولة السورية وإعادة الاعتراف بها والتعاون معها تحت غطاء دعم دولي، والتوصّل بالتوازي الى حلّ سياسي وحشد القوى في مواجهة الإرهاب، وخصوصاً «داعش». وهناك مَيْل الى إبداء نوع من التغاضي عن جزء من الفصائل الإسلامية الاخرى التي قد تسير في الحلّ السياسي.