Site icon IMLebanon

دور أوروبي في سورية بعد انسحاب اميركا

    

بعد ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” أول من أمس عن أن أقرب حلفاء واشنطن الأوروبيين رفضوا طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقاء قواتهم في سورية بعد الانسحاب الأميركي منها، بات واضحا كم أن القرار الأميركي بالانكفاء من بلاد الشام لا يستند إلى خطة لليوم التالي.

 

 

جل ما يقوم به الأميركيون هو تلمس طريقة للحفاظ على حلفائهم الذين استند دخول سورية العلني منذ مطلع 2016 إلى حجة تدريب وتمكين “قوات سورية الديموقراطية” وحزب “الاتحاد الديموقراطي الكردستاني” من السيطرة على مناطق شمال شرق البلاد. فإدارة دونالد ترامب “اكتشفت” أنها تترك على الأرض، قوات من الآلاف، سلحتهم ودربتهم ليس فقط بهدف محاربة “داعش”، بل أيضا من أجل تمكينهم من إدارة المناطق التي يسيطرون عليها، سواء بعد طرد مسلحي التنظيم منها أو بعد منع قوات نظام بشار الأسد من العودة إليها. لولا تنبه البنتاغون إلى أضرار “خيانة” حلفاء في الميدان السوري، لما كان ترامب التفت إلى الأمر. فهو يرى أن لا شيء في سورية يوجب الاهتمام بها وأنها بلد آل إلى الخراب، من مصلحة واشنطن تركه للروس والإيرانيين يتخبطون فيه.

 

ومع سعي البنتاغون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه نتيجة قرار الانسحاب، فإن صعوبات كبرى تحول دون خفض الخسائر، ليس أقلها الرفض الأوروبي وتحديدا الفرنسي والبريطاني البقاء على الأرض السورية. فقول الأميركيين إنه انسحاب تكتيكي وليس استراتيجيا بمهمة الولايات المتحدة تدمير «داعش»، يناقضه غياب أي خطة لما بعد إتمامه. والنصائح التي أسديت للإدارة بوجوب عقد اتفاق مع الجهة الأقوى في سورية، أي الروس لم تُترجم في أي تواصل بين واشنطن وموسكو.

 

لم يضع الانسحاب الأميركي المنتظر إتمامه في آخر نيسان (أبريل) المقبل الدور الأميركي في سورية على المحك فقط، بل أن الإعلان عنه أطاح بكل ما سعت إليه الديبلوماسية الأميركية من أهداف في محاولة خفض الأضرار: إعلان الموفد الخاص إلى سورية جيمس جيفري قبل أشهر بضرورة إنهاء عمليتي أستانا وسوتشي للتسوية السورية من أجل العودة إلى مسار جنيف، ذهب أدراج الرياح. وحديث المستشار جون بولتون، قبل الانسحاب عن أن الوجود الأمريكي لن ينتهي إلا مع انتهاء وجود الإيرانيين في سورية، بات من الماضي. على العكس، وعلى رغم المشاكل التي تواجه أطراف أستانا وسوتشي، والتنافس على النفوذ في سورية، فإن قمة سوتشي الأسبوع الماضي بين فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب أردوغان تثبت أن إدارة الصراع متروكة لهذا الثلاثي، الذي شكل اللجنة المعنية بصوغ الدستور، وبحث في كيفية ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية، وكرس الدور الإيراني على رغم التناحر الميداني بين جماعة “الحرس الثوري” وبين العسكر المدعوم من الروس.

 

بموازاة السعي الأميركي للحفاظ على حد أدنى من العلاقة مع فصائل سورية، بعد الانسحاب، للإبقاء على أسس لدور واشنطن في المرحلة المقبلة، سواء كان “قيادة من الخلف”، لإذكاء الحروب المقبلة الآتية إلى الميدان السوري، أو كان من أجل دفع موسكو نحو ترجيح الحلول السياسية، فإن الشكوك حول فعالية الدور الأميركي أكبر بكثير من أي وقت.

 

لم يكن عن عبث أن قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في احتجاجه على قرار ترامب: “يُنتظر من الحليف أن يكون محل ثقة”. وهي ليست الخيبة الأولى من سياسات البيت الأبيض.

 

الحال هذه، هناك من يعتقد من قادة الرأي الأوروبيين أن لا مناص من أن تأخذ أوروبا دور الولايات المتحدة في الأزمة السورية بالعودة إلى قيادة فاعلة في إدارة الصراع، بموازاة انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية بعد الأميركية، لسبب بديهي، هو أنها بلد جار.

 

في انتظار جلاء مصير منطقة إدلب التي تجري التحمية العسكرية فيها تمهيدا لخوض المعارك من أجل السيطرة عليها، فإن نجاح موسكو وطهران في ضمان بقاء الأسد، سينقل الأزمة إلى مرحلة جديدة من التجاذب على النفوذ بين الجانبين الروسي والإيراني (والتركي شمالا). من الطبيعي أن تلجأ موسكو إلى الخروج من تجاذب كهذا عبر ترجيح كفة الحل السياسي، الذي يتطلب إعادة النازحين، الذي بدوره يحتاج لإعادة إعمار البنى التحتية…

 

ستحتاج موسكو إلى أوروبا، لتمويل ما يمكن إعماره (ومعها الدول الخليجية). وهو مدخل لدور ربما قناته القمة الروسية التركية الفرنسية الألمانية التي انعقدت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في اسطنبول. إنه مدخل أوروبا للانخراط في الحل السياسي وفق مسار جنيف.