وزير الخارجية الفرنسي لودريان، شدّ رحاله إلى لبنان، وهو بيننا اليوم في زيارة «مهمة» إلى كل من فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون، ودولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي. هي زيارة مختزلة الوقع والأهداف، وحامية الوطيس في ما تحمله إلى الرئيسين من مقررات نابعة من صميم الدولة الفرنسية العميقة، حيث الوزير لودريان قد تولي من أعماق الإهتمام الفرنسي بالشأن اللبناني من خلال تلك المبادرة المتهالكة، «المهمة» التي أطلقها الرئيس الفرنسي وأقبل إلينا بها على الوقع التدميري الهائل الذي خلّفه للبلاد وأهلها، تدهور هائل وغير مسبوق في مجمل أوضاعنا وأحوالنا ودخولنا في مرحلة أطلق عليها رأس الحكم اللبناني، صفة الهبوط إلى جهنّم، وها نحن في هذه الأيام الأواخر من مرحلة الهبوط هذه، نغرق في حالات اليأس والدمار والخراب المستفحل والتدهور الإجتماعي والإقتصادي الذي يكاد أن يزيل هذه البلاد وأهلها من خريطة الوجود والإستمرار والهروب بشتى الأساليب القاهرة من حالات الفقر المدقع والجوع المستفرس. ها هو وزير الخارجية الفرنسي قادم إلينا بعيون محمرّة وغضب مصحوب بجملة من القرارات التي قررت كبريات الدول الأوروبية إتخاذها بحق المسؤولين اللبنانيين المتراجعين عن أقوالهم ومواقفهم بصدد «المهمة» التي سبق أن نالت موافقتهم وإجماعهم. سيكون اليوم حافلا باللقاءين المعلن عنهما، وقد يتم تجاوزهما إلى عدد من اللقاءات الأخرى مع جملة من المسؤولين الذين سبق أن طاولهم رشقٌ من سهام التأنيب والإتهام بالخيانة من قبل رئيس الجمهورية الفرنسي وعدد آخر من المسؤولين الفرنسيين وفي طليعتهم ضيفنا اليوم وزير خارجية الدولة الفرنسية العميقة الذي يبدو أن كل الدلائل تؤشر على أنه الشخص الأساسي الممسك حاليا بتفاصيل الوضع اللبناني من الجهة الأوروبية وفي طليعتها فرنسا. سينتهي هذا اليوم بلقاءيه المحدودين (أو اللقاءات الأخرى المحتمل حصولها) وسيتم إفهام الجميع بأن هذا اللقاء، وأن المساعي الأوروبية وبالتحديد منها المساعي الفرنسية، إذا ما وضع حدّ لها لأي سبب من الأسباب، فهي قد تكون نقطة التحول السلبية الخارجية التي تتشكل منها فرصة الإنقاذ والخلاص الأخيرة، ومن بعهدها ونتيجة لهرب المسؤولين اللبنانيين من تحقيق انتهاز هذه الفرصة، وتأمين وجود حكومة «المهمة» وفقا للتفاصيل التي سبق إيرادها كما وسبق أن وافق عليها المسؤولون اللبنانيون المتراجعون، وفي طليعتهم من بيدهم الوسائل الأساسية للإمساك بمقاليد السلطة والتوجه الجادّ نحو تأمين إنقاذ حقيقي وطائل وفاعل، يعيد لبنان إلى سكّة السلامة. في جيب الوزير الفرنسي، تجديد ما، ومحاولة إحياء للمساعي الفرنسية والأوروبية تدفع بالتي هي أحسن مجدّدا، نحو تأليف حكومة «المهمّة» التي طال وقت تشكيلها إلى حدود المطمطة والتهرب والإختباء المقصود بتطورات الأوضاع في المنطقة وبالتحديد بنتائج الإتصالات والتوافقات المتوقعة ما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بعد طوارئ التغيير المستجد في الحكم الأميركي، وبروز بعض الرغبات والتوجهات المبدئية نحو السعي إلى حلحلة أوضاع النزاعات القائمة حول الإتفاق النووي ولواحقه التي ما زالت تشكل جملة من العقبات الجدية في طريق الحلحلة اللبنانية، لودريان يحمل بالتالي في جيبه الآخر، جملة من الإجراءات العقابية التي ستطاول جملة من المسؤولين المنتمين إلى معظم الأحزاب والممسكة بخناق اللبنانيين، خاصة على الصعيد الإقتصادي والمالي وتهريب الأموال والتصرف بأموال المودعين وجنى عمرهم وبالتالي المتلاعبين بكل وقاحة وجشع بمصير لبنان واللبنانيين. هل ينجح لودريان في مهمته شبه الأخيرة بما يعيد إلى لبنان وأهله، رمق الحياة المفقود؟ هل تتمكن بقايا المساعي القائمة من لملمة كل حالات الفساد الشامل وتخفيف آثارها وأثقالها الهائلة التي تطاول شرائح واسعة من اللبنانيين؟
وبالتالي، هل تبدأ العقوبات الفرنسية – الأوربية بقرارات خفيفة الوطء في بدايتها، وتتدرج إلى عقوبات أثقل وأشدّ وأكثر امتدادا إلى صلب المواقع المندفعة إلى مهاوي الفساد وإلحاق الضرر القاتل بشرائح واسعة من اللبنانيين الذين غرقوا منذ الآن في معاناة غاية في العمق والنتائج المأساوية؟ لودريان يبذل محاولاته الأخيرة ومن خلفه الدولة الفرنسية العميقة ودعم أوروبي يتكاتف ويتعاظم مع مرور الايام. أما المسؤولون فما زالوا غائبين عن الوعي الحقيقي للأوضاع المستعصية القائمة والمستمرة، الأمر الذي يزيد في حنق الرأي العام الدولي والغربي ويعزز من إمكانيات الإنتقاض ضدّ هذه الأوضاع الشاذة التي لم تعد تتحمل أي مرور زمن كائنا ما كانت أيامه قليلة، فالوقت الحرج المتبقي لم يعد يسمح بلملمة كل حالات الفساد الشامل، وتخفيف آثارها وأثقالها الهائلة التي تطاول شرائح واسعة من اللبنانيين، فضلا عن مطاولتها لركائز الدولة اللبنانية، أرضا وشعبا ومؤسسات.