تعمل فرنسا على قاعدة “اللهم إني بلغت” بعدما بذلت مجهوداً كبيراً تمثّل أخيراً بزيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان إلى بيروت وتبليغه حكّام لبنان أن الوضع ذاهب نحو الإنهيار إذا لم تُحل العقد والعراقيل التي تعوق تأليف الحكومة.
على رغم إرتطامها بـ”حيط” التصلّب الداخلي، إلاّ أن فرنسا مصرّة على استنزاف كل الجهود من أجل الوصول إلى حلّ للأزمة اللبنانية، وهي ترغب بألا تصطدم بأي مكوّن لبناني داخلي وذلك من أجل الحفاظ على دورها كـ”الأم الحنون” لكل الشرائح اللبنانية.
لكن في مقابل النفس الفرنسي الطويل بالتعامل مع الأزمة اللبنانية، يبرز موقف ألماني أكثر تشدّداً من كل ما يحصل، يخفي لوماً على طريقة التعاطي الفرنسي مع الطبقة السياسية الحاكمة.
ويعود سبب هذا التمايز لأنّ العقلية الألمانية مغايرة تماماً للعقلية الفرنسية، وكذلك فان حسابات باريس في الساحة اللبنانية مختلفة تماماً عن حسابات برلين، كذلك فالنقطة الأساس تبقى أنّ ألمانيا ترى المشهد اللبناني من بعيد ومن فوق، أي أن هناك فساداً متغلغلاً وطبقة سياسية فاسدة يجب القضاء عليها، في حين أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يدخل أكثر في التفاصيل اللبنانية ويريد إرضاء هذا وذاك، أي إنه “لبنن” حراكه.
وفي السياق، تؤكّد مصادر ديبلوماسية وجود تباين في النظرة إلى طريقة معالجة الأزمة اللبنانية بين الألمان والفرنسيين، فالألمان يعتبرون أن كل ما يمكن فعله مع هذه الطبقة السياسية تمّ تجريبه والنتيجة أن التعطيل مستمرّ والإنهيار يتسارع.
ولا تنكر المصادر وجود هدف واحد بين باريس وبرلين بالنسبة إلى الملف اللبناني، والتباين يحصل حول طريقة العمل، لذلك فان ألمانيا تدعو إلى الحزم السريع وعدم إضاعة المزيد من الوقت لأنه لا أمل مع هذه الطبقة الحاكمة.
وتوازياً مع كل هذه المواقف، فان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمست شخصياً مدى تعنت الطبقة السياسية ورفضها إجراء إصلاح في القطاعات التي تهدر المال العام وعلى رأسها قطاع الكهرباء الذي استلمه وزراء “التيار الوطني الحرّ” منذ عام 2008 ولم يقم بأي خطوة إصلاحية، ورفض عرض شركة “سيمنز” ببناء معامل لتوليد الطاقة الكهربائية والتي زار وفد منها بيروت برفقة ميركل وقد شكل هذا الأمر أكبر دليل على اليأس الألماني من الأكثرية الحاكمة.
وأمام كل هذه الوقائع، ترى برلين أن التراخي لن يجلب إلا مزيداً من الخراب والإنهيار، وإذا إنهارت الدولة اللبنانية فان النيران ستطال القارة الأوروبية، لذلك وجب على الأوروبيين التحرّك السريع وعدم منح هذه الطبقة السياسية المزيد من الأوكسيجين للصمود.
وتلفت المصادر الديبلوماسية إلى أن لبرلين خبرات في التعامل مع أزمات كبرى مثل أزمة لبنان، وكان آخرها أزمتي اليونان وقبرص حيث تدخّل الإتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا من أجل إعادة تفعيل إقتصاد الدولتين، لذلك فالأزمة اللبنانية بحسب الألمان تحتاج إلى إصلاح سياسي ومنها يتمّ الإنطلاق من أجل الإصلاح الإقتصادي.
أبدى الألمان منذ فترة قصيرة رغبتهم في الإستثمار في لبنان شرط تأمين الإستقرار الأمني والسياسي، لكن استمرار الحكّام في ضرب مقدرات الدولة وتجويع الشعب سيدفع الإتحاد الأوروبي بقيادة برلين إلى فرض عقوبات على المعرقلين، عندها تكون بداية مسيرة عاصفة الحزم الأوروبية التي لن ترحم أحداً.