Site icon IMLebanon

العقد داخلية.. والعقوبات خارجية ؟

 

 

تبقى زيارة المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على جانب كبير من الأهمية، لأنها تُعتبر بمثابة زيارة ٢٧ وزير خارجية أوروبياً، وتأكيداً لإستمرار الإهتمام الأوروبي بالوضع اللبناني المتداعي، والحرص على مساعدة وطن الأرز للخروج من دوامة أزماته الراهنة.

 

قد لا تكون نتائج الزيارة على مستوى الآمال التي علقها عليها الكثير من اللبنانيين الباحثين عن منفذ للخروج من هذا النفق الطويل، ولكن كلام المسؤول الأوروبي الرفيع وضع النقاط الأوروبية الواضحة فوق حروفها اللبنانية المتفرقة، وإختصر الموقف الأوروبي بأربع محطات حاسمة:

 

1- تحميل الأطراف السياسية اللبنانية مسؤولية عدم تشكيل الحكومة، وإعتبار أن العراقيل والعقد التي تحول دون التأليف هي محلية بالدرجة الأولى.

 

٢- لا مساعدات جديدة للبنان قبل ولادة الحكومة العتيدة، وإجراء الإصلاحات المطلوبة.

 

٣- ضرورة التفاوض مع صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمات المالية والنقدية التي يتخبط فيها لبنان.

 

٤- وضع المنظومة الحاكمة الفاسدة أمام خيارات الفرصة الأخيرة: إنجاز الحكومة الجديدة أو إنزال العقوبات الأوروبية ضد الشخصيات المعرقلة للولادة الحكومية.

 

يبدو أن بوريل لم يقتنع بما سمعه في قصر بعبدا من وجود عراقيل خارجية تحول دون إنهاء عملية التأليف، وكان ميالاً أكثر لعرض الرئيس نبيه بري الذي شرح بإسهاب الخلافات والصعوبات الداخلية التي حالت دون التأليف طوال الأشهر العشرة الماضية التي أعقبت إستقالة الحكومة الحالية. مما يعني أن «الشماعة» الخارجية قد فقدت دورها في الإعتبارات الأوروبية، وعلى أهل السلطة الفاسدين والفاشلين أن يتحملوا مسؤولية إنهيار البلد وتجويع الشعب.

 

وكان الزائر الأوروبي صريحاً ومُباشراً عندما أعلن عن أن دول الإتحاد تستعد لفرض العقوبات على الأطراف والشخصيات التي تعطل سبل التأليف والإنقاذ، لأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل المزيد من التعطيل والإستنزاف.

 

ولكن الإشكالية الأولى التي تخفف من وطأة «الإنذار الأوروبي» بالعقوبات أن الحديث كثر وتكرر عن هذه الخطوة في باريس وفي بروكسل، دون إتخاذ أية خطوة جدية في هذا الإتجاه، بخلاف العقوبات الأميركية التي تأخذ طريقها إلى التنفيذ بسرعة، وبشكل صادم. الأمر الذي إنعكس نوعاً من اللامبالاة والإستهتار من قبل بعض السياسيين اللبنانيين بالكلام الأوروبي عن العقوبات، وذلك بموازاة التساؤلات حول مدى جدية الأوروبيين في اللجوء إلى هذا الأسلوب في التعاطي مع المسؤولين اللبنانيين، وهل تتطلب مثل هذه القرارات توفر الإجماع من دول الإتحاد عليها، أم أن الخطوات العقابية سيتم إتخاذها بشكل متفرق، وفي إطار كل دولة منفردة.

 

وبإنتظار ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود في العقوبات الأوروبية، يمكن القول أن السياسيين اللبنانيين تلقوا جرعة كبيرة من الإنتقادات اللاذعة والمباشرة (حتى لا نقول إهانات) من الزائر الأوروبي، الذي أكد عدم الثقة بالمنظومة الحاكمة، وتشجيع العمل على إحداث تغييرات جذرية في التركيبة السياسية، وتنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية التي أصبح لبنان بأمسّ الحاجة لها.

 

من سخرية القدر أن يُعبّر كبار الأشقاء والأصدقاء عن قلقهم من تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشية في لبنان، وتداعياتها المدمرة على البلاد والعباد، فيما أهل السلطة والسياسيين يتراشقون بالتهم والمزايدات الفارغة، بدل العمل على الإسراع في المعالجات الإنقاذية، إنطلاقاً من تسهيل الولادة الحكومية، ووصولاً إلى وقف الانحدارات المستمرة في مختلف القطاعات الإنتاجية والإجتماعية.

 

أما الكلام عن أن تأليف الحكومة اللبنانية رهن بنتائج إستحقاقات خارجية عدة، فلم يعد له مبرراً، بعد إنتهاء الإنتخابات الرئاسية في كل من الولايات الأميركية وسوريا وإيران، حيث كان بعض جهابذة السياسة اللبنانيين، يعتبرون أن الأزمة اللبنانية حاضرة في برامج إنتخاب الرؤساء الثلاثة، وفي مقدمة جداول المفاوضات الدولية حول الملفات الساخنة في العالم!

 

كلام مسؤول العلاقات الخارجية الأوروبية بوريل كان فاضحاً لأساليب الإنكار التي يمارسها أهل الحكم، وواضحاً في وضع الأمور في نصابها الصحيح: الأزمة اللبنانية سببها الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، والعقد والعراقيل التي تؤخر الولادة الحكومية هي محلية، وسببها التناحر بين الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية.

 

ومن له أذنان فليسمع.. ومن له عقل فليفهم..، أما من فقَدَ العقل والسمع فهو يكون قد إفتقد البصر والبصيرة قبلهما!