في تموز 2021 أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان، أنّ هناك إجماعاً سياسياً أوروبياً على اتخاذ عقوبات ضدّ أطراف لبنانية، وأنّ الإطار القانوني لهذه العقوبات سيكون جاهزاً قبل الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت في 4 آب، وهو أداة ضغط على السلطات اللبنانية بغية تأليف الحكومة وبدء مسار الإصلاح. تهديد لودريان أتى في سياق سلسلة أوروبية من التلويح بالعقوبات آنذاك، إلّا أنّه سقط بـ»الفيتو» المجري علناً وباعتراض أكثر من دولة أوروبية. ولم يتمكّن الاتحاد الأوروبي مرةَ من تحقيق الإجماع اللازم لفرض عقوبات على أطراف لبنانية، مهما تعدّدت الجهات المُستهدفة وتنوّعت الأسباب.
أخيراً طافت التهديدات الخارجية بالعقوبات على السطح مجدداً. فبرزت معلومات عن نيّة أوروبية بفرض عقوبات على معرقلي انتخاب رئيس للجمهورية أجهضتها فرنسا. وبعد الرسالة التي بعث بها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الى الرئيس الأميركي وتضمّنت إشارة إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري السلبي من الاستحقاق الرئاسي، ضُخّت أخيراً أخبار عن تحذير سفراء في بيروت، ومن بينهم سفير السعودية وليد البخاري، اللاعبين على الساحة الرئاسية، من فرض «عقوبات دولية» على من يعرقل انتخاب الرئيس بتعطيل النصاب.
هذه العقوبات في حال فُرضت من المُستبعد أن تكون دولية بمعنى أن تصدر عن الأمم المتحدة، فأمام اتخاذ مجلس الأمن هذا القرار عقبات عدّة تبدأ بالفيتو ولا تنتهي بنوع العقوبة وطريقتها. أمّا العقوبات الأوروبية فصعبة التحقّق نظراً لأنّها تتطلّب أولاً إجماعاً من دول الإتحاد الأوروبي كلّها، فيما هناك خلاف أوروبي دائم على هذا القرار، وثانياً لأنّها تتطلّب إطاراً قانونياً إذ لا قوانين أوروبية سارية تغطّي هذه العقوبات. أمّا فرض عقوبات من دولة أوروبية واحدة فقط فلا يُعوّل عليه لجهة تأثيره. وبالتالي، من المُرجّح أن تكون هذه العقوبات أميركية، في حال كان هناك قرار باتخاذها، لأنّ واشنطن لديها قوانين تشمل كلّ أنواع العقوبات، من «ماغنيتسكي» والفساد الى الإرهاب وتبييض الأموال وتهريبها. هذا فضلاً عن سهولة فرض العقوبات، والتي لا تتطلّب قراراً من الكونغرس، ويُمكن فرضها بقرار رئاسي، بحسب ما يشرح الديبلوماسي والسفير الأسبق في واشنطن الدكتور رياض طباره لـ»نداء الوطن».
العقوبات الأميركية في لبنان تدرّجت ضمن أربع مجموعات:
الأولى: على «حزب الله».
الثانية: على مموّلي «حزب الله».
الثالثة: على حلفاء «حزب الله».
الرابعة: على مموّلي حلفاء «حزب الله».
وإذا فُرضت عقوبات أميركية على شخصيات سياسية أو نواب بسبب «عرقلة» الاستحقاق الرئاسي، فسيكون هذا نوعاً جديداً من العقوبات الأميركية في لبنان، إذ إنّ كلّ العقوبات الأميركية السابقة التقليدية كانت تصبّ في خانة «حزب الله» وإيران.
لكن إذا أرادت واشنطن إرسال رسالة رئاسية لأي طرف عبر العقوبات فليس بالضرورة أن تُعلّل هذه العقوبة بتهمة «العرقلة» بل يمكن أن تُدرج تحت أي عنوان، خصوصاً الفساد، وتطاول شخصية ثانوية أو من الصف الثاني، لتصل الرسالة الى الصف الأوّل، كما فعلت سابقاً. ويبقى تأثير العقوبات الأميركية الأكثر فعاليةً نظراً الى أنّ الدولار هو العملة المتداولة بين غالبية المصارف وفي أكثر من 50 في المئة من التجارة العالمية.
التدخُل الأميركي الفاعل في الملف الرئاسي ليس من الضروري أن يُترجم بالعقوبات، بحسب طباره، وبالتأكيد لن يكون أداةً لمصلحة فرنسية أو أوروبية أو عربية، ولا حتى بهدف انتخاب رئيس للجمهورية لمجرد الانتخاب. فهناك مصالح تحكم التحرُّك الأميركي في الملف اللبناني. وانطلاقاً من ربط واشنطن ملف الرئاسة بملف حاكمية مصرف لبنان، وإبلاغ السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا قادةً سياسيين التقتهم أخيراً بضرورة انتخاب رئيس لتلافي الفراغ بالحاكمية أو إيجاد حلّ لتعيين حاكم جديد، تزداد احتمالية فرض عقوبات أميركية كلّما اقترب موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو «اهتزّ» كرسي الحاكمية على وقع الدعاوى القضائية الأوروبية. ومتى يرى الأميركيون أنّ التدخل الحاسم بات ضرورياً قد يُترجم هذا التحرك بـ»تلفون» أو بلقاءات ديبلوماسية أو إبلاغ السفير في واشنطن على سبيل المثال بقرار «الفيتو» على اسم أو اثنين، كما حصل عند التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي.
وبالتالي، إنّ ما يحكم تدخُّل الأميركيين في أي ملف لبناني، ينطلق من ضمان سيطرتهم على الوضع منعاً للدخول في حالة فوضى إن في لبنان أو في الشرق الأوسط، وفق ما يشرح طباره. ويتركّز اهتمام الأميركيين في لبنان على موقعي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، فلقد استثمروا في المؤسسة العسكرية تدريباً وتجهيزاً بنسبة مئة في المئة لاعتبارات عدة من التوازن مع «حزب الله» أو اسرائيل الى مواجهة الإرهاب، كذلك يريدون حاكماً لمصرف لبنان متعاوناً معهم في موضوع تبييض الأموال، وهذا ما فعله سلامة.
وانطلاقاً من أنّ «خراب» القطاع المالي والنظام المصرفي التام يعني الخراب الشامل في البلد، يركّز الأميركيون على هذا المنصب وسيتدخّلون عند أي خلل قد يشوبه بتشظيات غير قابلة للسيطرة. هذا الباب الرئيس لتدخُّل الأميركيين بفعالية رئاسياً، إضافةً الى عدم ترك الساحة بالكامل لـ»حزب الله»، لذلك أعطت واشنطن «باس» لباريس لحلّ الملف الرئاسي ولذلك أجهضت المبادرة الفرنسية، بحسب ما يشرح طباره.