IMLebanon

التوتر التركي ـ الأوروبي: من يخسر الآخر؟

هل الاشتباك التركي ـ الأوروبي الأخير هو حقيقي هذه المرة وسيقود الى القطيعة التي تطيح بحلم العضوية التركية في الاتحاد، أم انّ بروكسل وانقرة ستنجحان في الخروج من هذا القطوع كما حدث في مرات سابقة حيث نجح معها الطرفان في حماية «القضاء والقدر» المكتوب عليهما منذ عقود في غرام معلن يحتاج لإيصاله الى النهاية السعيدة؟

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وعد قبل 6 اشهر بمراجعة جذرية في علاقات تركيا الخارجية تحت عنوان «كثير من الاصدقاء وقليل من الاعداء» لكن ما يقوله يتعارض اليوم مع ما يجري على ارض الواقع في مسار العلاقات التركية ـ الاوروبية.

كلام مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي من أنّ خيار فرض عقوبات اقتصادية على تركيا يندرج ضمن الخيارات المطروحة بسبب ملفات سياسية وقانونية تتعلق بقضايا الاعتقالات التي طاولت نواباً من «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي وبعضاً من الأكاديميين والصحافيين وانّ بروكسل ستعيد تقييم طلب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، قابَله على الفور جواب وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، الذي قال متحدياً: «إن كانت لديك القدرة فعليك أن توقف دعاية الإرهاب في مبنى البرلمان الأوروبي، وأن تحذر دول الاتحاد الأوروبي من عدم عرقلة استقبال وإيواء اللاجئين الوافدين الى الدول الاوروبية.

لكنّ رد العيار الثقيل كان للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي قال: «إذا كنت ترغب في إعادة تقييم طلب عضوية تركيا، فلتفعل ذلك بسرعة ولتخبرنا بالنتيجة. فلننتظر حتى نهاية السنة ثم نلجأ إلى الشعب مثلما فعلت بريطانيا».

القيادات السياسية في حزب «العدالة والتنمية» تساءلت بدورها وهي ترد على المسؤول الاوروبي: هل يتغير موقف الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا إذا قدمت الميداليات للذين حاولوا الانقلاب على الحكومة وأطلقوا النار على الناس العزّل وقتلوا 250 شخصاً وقصفوا البرلمان التركي والقصر الرئاسي بالطائرات؟

لكنّ الحقيقة هي انّ تركيا تشعر بخيبة أمل أوروبية بسبب اتفاقية اللجوء التي لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، وربما هذا هو ما دفع الرئيس التركي الى التلويح انه امام الاوروبيين اقل من شهرين لحسم مواقفهم ومحاولة رمي الكرة في ملعب بروكسل.

رفضت الحكومة التركية في الأسبوع الماضي مضمون تقرير التقدم السنوي للاتحاد الأوروبي حول التوسعة ومسار العلاقات مع تركيا الذي يضمّ كثيراً من الانتقادات حول وضع وسائل الإعلام في البلاد والقضاء. التوتر التركي ـ الأوروبي الأخير بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وردود الفعل الأوروبية التي لم تعجب أنقرة كثيراً في مقابل الدعوات المتواصلة لعدم إلغاء عقوبة الإعدام والإسراع في رفع حالة الطوارى، تحوّل سريعاً وكما كان متوقعاً إلى بركان ينفجر ويطيح الجهود التي بذلت في الاعوام الاخيرة في اتجاه تسريع قبول طلب العضوية التركية المقدم عام 1959.

إختزال نتيجة مسار الرغبة التركية الالتحاق بالمجموعة الاوروبية التي بدأت قبل 57 عاماً وبعد عقود من الأخذ والرد والمفاوضات ينطبق عليها الى حد كبير ما ردده الشاعر نزار قباني عندما قال: «مقدورك ان تمشي أبداً». لكنّ اردوغان أعلن الاسبوع المنصرم انّ تركيا لم يعد لها الطاقة على التحمّل والانتظار طويلاً بعد الآن.

هل من الممكن لأنقرة ان تفرّط بمثل هذه السهولة بأحد أهم شركائها التجاريين على هذا النحو وتُغامِر بـ 64 مليار دولار من صادراتها الى الاتحاد؟ وهل من المعقول ان تتخلى عن كل ما حاولت تشييده في مسائل الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان وتعرض مسألة عضويتها في المجلس الاوروبي نفسه بسبب التوجّه نحو تَخلّيها عن قرار إلغاء عقوبة الاعدام من قانون الجزاء التركي؟

لكن هناك حقيقة أخرى تتقدم على الأرض وهي انّ نحو ثلثي الأتراك حسب استطلاع للرأي أجرته شركة تركية محايدة، يريدون إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

امّا حول صدقية الاتحاد الأوروبي في ضمّ تركيا إلى عضويته، فقال 82 في المئة من الأتراك المشاركين في الاستطلاع إنّ الاتحاد الاوروبي غير صادق في ذلك.

المفاجأة قد تكون ايضاً هي انّ الإستطلاع ذاته كشف عن أنّ 58 في المئة من الاتراك يريد أن تشكّل تركيا تحالفات مع دول الجوار وخصوصاً الدول الإسلامية، وأن تكون قائدة على رأس العالم الإسلامي بدلاً من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

رسالة التهدئة الاوروبية الاخيرة عقب اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد حول ضرورة مواصلة محادثات انضمام تركيا إلى المجموعة لن يقبل بها الاتراك هذه المرة كما كان يحدث في السابق. هم يريدون اكثر من ذلك. لكنّ حقيقة أخرى لا بد ان يعرفها الاتراك وهي انّ اوروبا ليست «مجنون الحي» الذي يحاول البعض في تركيا تقديمها بهذا الشكل وعلى انّ قراراتها او تصعيدها ليس ملزماً ولن يؤخذ على محمل الجد.

فالحقيقة هي انّ انقرة هي التي تريد الالتحاق بهذه المجموعة، وبروكسل نفسها هي التي تقرر في النهاية. والموجع اكثر انّ قرارها ينبغي ان يصدر بالاجماع ويرضي 28 دولة بكاملها دفعة واحدة.