تلعب أوروبا دور لاعب الاحتياط على مقعد بدلاء الفريق الأميركي، صاحب القرار الرئيسي المساند لدولة إسرائيل. الاتحاد الأوروبي يدعم إسرائيل في الحرب على حماس. ولكنه يعيش أزمة ضمير تجاه خسائر أهل غزة بالبشر والحجر معاً.
تتحرك وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا باتجاه لبنان لمنع توسّع الحرب على غزة على الجبهة مع حزب الله في لبنان. وهي إن كانت تسعى للتهدئة، ففرنسا عبّرت في مجلس الأمن بتصويتها على قرار، لم يصدر بسبب الفيتو الأميركي، بوقف النار في غزة. وذلك، بخلاف الموقف البريطاني الممتنع عن التصويت. علماً أن بريطانيا كانت قد خرجت من الاتحاد الأوروبي مع البريكست. كولونا مبعوثة ماكرون والحكومة الفرنسية الى المنطقة تتشارك مع جوزيب بوريل مواقف الاتحاد الأوروبي.
جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مستاء، من جهته، من العنف الإسرائيلي الذي «لا يميّز»، ويقول إن إسرائيل بدأت تخسر دعم المجتمع الدولي. ولكن كيف؟! فالتصويت في مجلس الأمن لدى القوى الغربية الدائمة العضوية تجد بينها فيتو أميركي يضبط الإيقاع، وعدم معارضة بريطانية وتردد فرنسي وانتظار من الاتحاد الأوروبي لضوء أخضر أميركي!
يلعب بوريل دور الداعي إسرائيل للتهدئة، من دون أن يقدّم مقترحاً جديّاً لوقف النار، ولا لتبادل الأسرى! بوريل، الذي يعتبر هجوم حماس في 7 أكتوبر وحشياً وبربرياً ولا يمكن تبريره ولا إيجاد أعذار له، يدين في الوقت نفسه المأساة الانسانية التي تعيشها غزة. ولا يخفي في أحد مواقفه أن هناك شكاً لدى الكثيرين في العالم بخصوص اعتماد الاتحاد الأوروبي معيارين مختلفين في القانون الدولي يدين روسيا في الحرب على أوكرانيا، ولا يدين إسرائيل في الحرب على غزة!
بوريل الذي يقول إن الاتحاد الأوروبي ليس قوة عظمى بعد يعترف بعجز الاتحاد والمجتمع الدولي على مدى سنوات عن تقديم خارطة طريق لاتفاق أوسلو ولحل الدولتين، الذي يدعمه الاتحاد. ولكن بوريل يعترف أن عدد القتلى والجرحى كان كبيراً قبل 7 أكتوبر (من دون أن يحدد أنه كان لدى الجانب الفلسطيني). كما يعترف أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية قد ارتفعت، وأن عدد المستوطين ارتفع من 270.000 الى 700.000 مستوطن! معتبراً أن غياب السياسات الجدّية الدولية أدّى الى استبعاد الوسطيين والى تقدم المتطرفين لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وليس غريباً أن يعتبر بوريل أن المتطرفين في فلسطين يريدون تدمير إسرائيل. ولكن الغريب أن يعتبر أنهم يهددون أوروبا أيضاً!!!
إن أقصى ما يطلبه بوريل اليوم من إسرائيل هو «ضبط النفس»، بالإضافة الى العمل، كما يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمنع تمدد الحرب (مع حزب الله في لبنان تحديداً). يؤكد بوريل أن الاتحاد الأوروبي يسعى للتهدئة. وهو يرى ضرورة رفع حجم المساعدة الإنسانية لأكثر من 40 شاحنة عبر معبر رفح، والتي لا تمثل أكثر من 20% من حاجة القطاع اليومية. ولكن فتح الممر البحري عبر قبرص لم ينجح بعد!
3 لاءات كان بوريل طرحها منذ شهر في اجتماعات الاتحاد الأوروبي: لا للتهجير القسري، لا لاقتطاع أراضٍ إسرائيلية جديدة من قطاع غزة ولا لفصل مصير غزة عن المصير الفلسطيني ككل. وهو كان طرح 3 مواقف أساسية، بينها: وضع سلطة حاكمة مؤقتة لغزة، لعب الدول العربية لدور أساسي باتجاه إنشاء دولة فلسطينية ولعب الاتحاد الأوروبي دوراً أكبر في المنطقة.
إن الدور الأوروبي الذي يراه بوريل هو مساهمة الاتحاد ببناء دولة فلسطينية كاملة السيادة، يمكنها استعادة الكرامة، وبناء السلام مع إسرائيل، مع ضمان أوروبا أمن الدولتين.
ولكن هل ينجح الاتحاد الأوروبي في دخول أرض الملعب لتحقيق أهدافه في المنطقة؟ حتى الآن، يكتفي الاتحاد بالدور الذي تقدمه الدولة العظمى الوحيدة، المعارضة لعنف الجيش الاسرائيلي الكبير، والتي تضع في الوقت نفسه الفيتو لمنع وقف إطلاق النار، والتي لا تضغط على إسرائيل «كثيراً» قبل تحقيق الحرب على حماس لأهدافها! وبعدها يخلق الله ما لا يعلمه الاتحاد الأوروبي!
* صحافي ومحلل سياسي